الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات " قال الزجاج: خبر " إن " هاهنا على ثلاثة أوجه: [ ص: 137 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أن يكون على إضمار " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " منهم، ولم يحتج إلى ذكر ( منهم ) ; لأن الله تعالى قد أعلمنا أنه محبط عمل غير المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن يكون خبر " إن " : " أولئك لهم جنات عدن " ، فيكون قوله: " إنا لا نضيع " قد فصل به بين الاسم وخبره ; لأنه يحتوي على معنى الكلام الأول ; لأن من أحسن عملا بمنزلة الذين آمنوا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن يكون الخبر " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " بمعنى: إنا لا نضيع أجرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال المفسرون: ومعنى " لا نضيع أجر من أحسن عملا " ; أي: لا نترك أعماله تذهب ضياعا، بل نجازيه عليها بالثواب .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الأساور، فقال الفراء: في الواحد منها ثلاث لغات: إسوار وسوار وسوار، فمن قال: إسوار، جمعه: أساور، ومن قال: سوار أو سوار، جمعه: أسورة، وقد يجوز أن يكون واحد أساورة وأساور: سوارا . وقال الزجاج: الأساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، يقال: سوار اليد، بالكسر، وقد حكي: سوار . قال المفسرون: لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور في اليد والتيجان على الرؤوس، جعل الله ذلك لأهل الجنة . قال سعيد بن جبير: يحلى كل واحد منهم بثلاثة من الأساور، واحد من فضة، وواحد من ذهب، وواحد من لؤلؤ ويواقيت .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما " السندس " و " الإستبرق " ، فقال ابن قتيبة: السندس: رقيق الديباج، والإستبرق ثخينه . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: السندس: رقيق الديباج، لم يختلف أهل اللغة في أنه معرب، قال الراجز:


                                                                                                                                                                                                                                      وليلة من الليالي حندس لون حواشيها كلون السندس

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 138 ]

                                                                                                                                                                                                                                      والاستبرق: غليظ الديباج، فارسي معرب، وأصله: إستفره . وقال ابن دريد: استروه، ونقل من العجمية إلى العربية، فلو حقر ( إستبرق ) أو كسر، لكان في التحقير ( أبيرق )، وفي التكسير ( أبارق ) بحذف السين والتاء جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " متكئين فيها " الاتكاء: التحامل على الشيء . قال أبو عبيدة: والأرائك: الفرش في الحجال، ولا تكون الأريكة إلا بحجلة وسرير . وقال ابن قتيبة: الأرائك: السرر في الحجال، واحدها: أريكة . وقال ثعلب: لا تكون الأريكة إلا سريرا في قبة عليه شواره ومتاعه . قال ابن قتيبة: ( الشوار ) مفتوح الشين، وهو متاع البيت . وقال الزجاج: الأرائك: الفرش في الحجال . قال: وقيل: إنها الفرش، وقيل: الأسرة، وهي على الحقيقة: الفرش كانت في حجال لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية