ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا .
قوله تعالى: " ولقد صرفنا في هذا القرآن " قد فسرناه في ( بني إسرائيل: 41 ) .
قوله تعالى: " وكان الإنسان أكثر شيء جدلا " فيمن نزلت قولان:
أحدهما: أنه النضر بن الحارث، وكان جداله في القرآن، قاله ابن عباس .
والثاني: أبي بن خلف، وكان جداله في البعث حين أتى بعظم قد رم، فقال: أيقدر الله على إعادة هذا ؟ قاله قال ابن السائب . كل ما يعقل من الملائكة والجن يجادل، والإنسان أكثر هذه الأشياء جدلا . الزجاج:
قوله تعالى: " وما منع الناس أن يؤمنوا " قال المفسرون: يعني: أهل مكة، " إذ جاءهم الهدى " وهو محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن والإسلام، " إلا أن تأتيهم سنة الأولين " وهو أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا .
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: ما منعهم من الإيمان إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين، قاله الزجاج .
والثاني: وما منع الشيطان الناس أن يؤمنوا إلا لأن تأتيهم سنة الأولين ; أي: منعهم رشدهم لكي يقع العذاب بهم، ذكره [ ص: 158 ] ابن الأنباري .
والثالث: ما منعهم إلا أني قد قدرت عليهم العذاب . وهذه الآية فيمن قتل ببدر وأحد من المشركين، قاله الواحدي .
قوله تعالى: " أو يأتيهم العذاب " ذكر في " أو " هاهنا ثلاثة أقوال: ابن الأنباري
أحدها: أنها بمعنى الواو .
والثاني: أنها لوقوع أحد الشيئين ; إذ لا فائدة في بيانه .
والثالث: أنها دخلت للتبعيض ; أي: أن بعضهم يقع به هذا، وهذه الأقوال الثلاثة قد أسلفنا بيانها في قوله عز وجل: أو كصيب من السماء [ البقرة: 19 ] .
قوله تعالى: " قبلا " قرأ ابن كثير، ونافع، ، وأبو عمرو ( قبلا ) بكسر القاف وفتح الباء . وقرأ وابن عامر: عاصم، وحمزة، ( قبلا ) بضم القاف والباء . وقد بينا علة القراءتين في ( الأنعام: 111) . وقرأ والكسائي: أبي بن كعب ( قبلا ) بفتح القاف من غير ياء، قال وابن مسعود: أراد: استئنافا . ابن قتيبة:
فإن قيل: إذا كان المراد بسنة الأولين: العذاب، فما فائدة التكرار بقوله: " أو يأتيهم العذاب " ؟
فالجواب: أن سنة الأولين أفادت عذابا مبهما يمكن أن يتراخى وقته وتختلف أنواعه، وإتيان العذاب قبلا أفاد القتل يوم بدر . قال " مقاتل: سنة الأولين " : عذاب الأمم السالفة، " أو يأتيهم العذاب قبلا " ; أي: عيانا قتلا بالسيف يوم بدر .