ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا .
قوله تعالى: " ويسألونك عن ذي القرنين " قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله تعالى: ويسألونك عن الروح [ الإسراء: 85 ] .
واختلفوا في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال:
أحدها: عبد الله، قاله علي عليه السلام، وروي عن أنه ابن عباس عبد الله ابن الضحاك . والثاني: الإسكندر، قاله والثالث: وهب . عياش، قاله محمد بن علي بن الحسين . والرابع: الصعب بن جابر بن القلمس، ذكره ابن أبي خيثمة .
وفي علة تسميته بذي القرنين عشرة أقوال:
أحدها: أنه دعا قومه إلى الله تعالى، فضربوه على قرنه فهلك، فغبر زمانا ثم بعثه الله، فدعاهم إلى الله فضربوه على قرنه الآخر فهلك، فذانك قرناه، قاله علي عليه السلام . والثاني: أنه سمي بذي القرنين ; لأنه سار إلى مغرب الشمس وإلى مطلعها، رواه عن أبو صالح والثالث: لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس . والرابع: لأنه رأى في المنام كأنه امتد من السماء إلى الأرض وأخذ بقرني الشمس، فقص ذلك على قومه، فسمي ابن عباس . بذي القرنين . الخامس: لأنه [ ص: 184 ] ملك الروم وفارس . والسادس: لأنه كان في رأسه شبه القرنين، رويت هذه الأقوال الأربعة عن والسابع: لأنه كانت له غديرتان من شعر، قاله وهب بن منبه . قال الحسن . ابن الأنباري: والعرب تسمي الضفيرتين من الشعر: غديرتين، وجميرتين، وقرنين ; قال: ومن قال: سمي بذلك لأنه ملك فارس والروم، قال: لأنهما عاليان على جانبين من الأرض، يقال لهما: قرنان . والثامن: لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت ذوي شرف . والتاسع: لأنه انقرض في زمانه قرنان من الناس وهو حي . والعاشر: لأنه سلك الظلمة والنور، ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو إسحاق الثعلبي .
واختلفوا هل كان نبيا أم لا ؟ على قولين:
أحدهما: أنه كان نبيا، قاله عبد الله بن عمرو والضحاك بن مزاحم .
والثاني: أنه كان عبدا صالحا، ولم يكن نبيا ولا ملكا، قاله علي عليه السلام . وقال كان ملكا ولم يوح إليه . وهب:
وفي زمان كونه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه من القرون الأول من ولد يافث بن نوح، قاله علي عليه السلام .
والثاني: أنه كان بعد ثمود، قاله ويقال: كان عمره ألفا وستمائة سنة . الحسن .
والثالث: [ أنه ] كان في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، قاله وهب .
قوله تعالى: " سأتلو عليكم منه ذكرا " ; أي: خبرا يتضمن ذكره . " إنا مكنا له في الأرض " ; أي: سهلنا عليه السير فيها . قال علي عليه السلام: إنه أطاع الله فسخر له السحاب فحمله عليه، ومد له في الأسباب، وبسط له النور، فكان [ ص: 185 ] الليل والنهار عليه سواء . وقال ملك الأرض أربعة: مؤمنان وكافران ; فالمؤمنان: مجاهد: سليمان بن دواد وذو القرنين، والكافران: النمرود وبختنصر .
قوله تعالى: " وآتيناه من كل شيء سببا " قال علما يتسبب به إلى ما يريد . وقيل: هو العلم بالطرق والمسالك . ابن عباس:
قوله تعالى: " فأتبع سببا " قرأ ابن كثير، ونافع، : ( فأتبع سببا )، ( ثم أتبع سببا )، ( ثم أتبع سببا ) مشددات التاء . وقرأ وأبو عمرو عاصم، وابن عامر، وحمزة، ( فأتبع سببا ) ، ( ثم أتبع سببا )، ( ثم أتبع سببا ) مقطوعات . قال والكسائي: من قرأ: ( فأتبع سببا ) فمعناه: قفا الأثر . ومن قرأ: ( فأتبع ) فمعناه: لحق، يقال: اتبعني فلان ; أي: تبعني، كما يقال: ألحقني فلان، بمعنى: لحقني . وقال ابن الأنباري: أبو علي: ( أتبع ) تقديره: أتبع سببا سببا، فأتبع ما هو عليه سببا، والسبب: الطريق، والمعنى: تبع طريقا يؤديه إلى مغرب الشمس . وكان إذا ظهر على قوم أخذ منهم جيشا، فسار بهم إلى غيرهم .
قوله تعالى: " وجدها تغرب في عين حمئة " قرأ ابن كثير، ونافع، ، وأبو عمرو وحفص عن ( حمئة )، وهي [ قراءة عاصم: وقرأ ] ابن عباس . ابن عامر، وحمزة، والكسائي، عن وأبو بكر ( حامية )، وهي قراءة عاصم: عمرو، وعلي، وابن مسعود، والزبير، ومعاوية، وأبي عبد الرحمن، والحسن، وعكرمة، والنخعي، وقتادة، وأبي جعفر، وشيبة، وابن محيصن، كلهم لم يهمز . قال والأعمش، فمن قرأ: ( حمئة ) أراد: في عين ذات حمأة، يقال: حمأت البئر: إذا أخرجت حمأتها، وأحمأتها: إذا ألقيت فيها الحمأة . [ وحمئت ] فهي حمئة: إذا صارت فيها الحمأة . ومن قرأ: ( حامية ) بغير همز، أراد: حارة . وقد تكون حارة ذات حمأة . وروى الزجاج: عن قتادة قال: [ ص: 186 ] وجدها تغرب في ماء يغلي كغليان القدور، " الحسن، ووجد عندها قوما " لباسهم جلود السباع، وليس لهم طعام إلا ما أحرقت الشمس من الدواب إذا غربت نحوها، وما لفظت العين من الحيتان إذا وقعت فيها الشمس . وقال وجد عندها قوما مؤمنين وكافرين، يعني: عند العين . وربما توهم متوهم أن هذه الشمس على عظم قدرها تغوص بذاتها في عين ماء، وليس كذلك، فإنها أكبر من الدنيا مرارا، فكيف تسعها عين [ ماء ؟ وقيل: إن الشمس بقدر الدنيا مائة وخمسين مرة، وقيل: بقدر الدنيا مائة وعشرين مرة، والقمر بقدر الدنيا ثمانين مرة ] . وإنما وجدها تغرب في العين كما يرى راكب البحر الذي لا يرى طرفه أن الشمس تغيب في الماء، وذلك لأن ابن السائب: ذا القرنين انتهى إلى آخر البنيان، فوجد عينا حمئة ليس بعدها أحد .
قوله تعالى: " قلنا يا ذا القرنين " فمن قال: إنه نبي، قال: هذا القول وحي، ومن قال: ليس بنبي، قال: هذا إلهام .
قوله تعالى: " إما أن تعذب " قال المفسرون: إما أن تقتلهم إن أبوا ما تدعوهم إليه، وإما أن تأسرهم فتبصرهم الرشد . " قال أما من ظلم " ; أي: أشرك، " فسوف نعذبه " بالقتل إذا لم يرجع عن الشرك . وقال كان يطبخهم في القدور، " الحسن: ثم يرد إلى ربه " بعد العذاب، " فيعذبه عذابا نكرا " بالنار .
قوله تعالى: " فله جزاء الحسنى " قرأ ابن كثير، ونافع، ، وأبو عمرو وابن عامر، وأبو بكر عن ( جزاء الحسنى ) برفع مضاف . قال عاصم: " الفراء: الحسنى " : الجنة، وأضيف الجزاء إليها، وهي الجزاء، كقوله: وإنه لحق اليقين [ الحاقة: 51 ]، و دين القيمة [ البينة: 5 ]، ولدار الآخرة [ النحل: 30 ] . قال المعنى: فله جزاء الخلال الحسنى ; لأن الإيمان والعمل الصالح خلال . وقرأ أبو علي الفارسي: حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف، ويعقوب: ( جزاء ) [ ص: 187 ] بالنصب والتنوين . قال وهو مصدر منصوب على الحال، المعنى: فله الحسنى مجزيا بها جزاء . وقال الزجاج: وقد يكون الجزاء غير الحسنى، إذا تأول الجزاء بأنه الثواب، والحسنى: الحسنة المكتسبة في الدنيا، فيكون المعنى: فله ثواب ما قدم من الحسنات . ابن الأنباري:
قوله تعالى: " وسنقول له من أمرنا يسرا " ; أي: نقول له قولا جميلا .