اذهب إلى فرعون إنه طغى قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا .
قوله تعالى : " إنه طغى " ; أي : جاوز الحد في العصيان .
قوله تعالى : " اشرح لي صدري " قال المفسرون : ضاق موسى صدرا بما كلف من مقاومة فرعون وجنوده ، فسأل الله تعالى أن يوسع قلبه للحق حتى لا يخاف فرعون وجنوده ، ومعنى قوله : " ويسر لي أمري " : سهل علي ما بعثتني له . " واحلل عقدة من لساني " قال : كانت فيه رتة . قال المفسرون : كان ابن قتيبة فرعون قد وضع موسى في حجره وهو صغير ، فجر لحية فرعون بيده ، فهم بقتله ، فقالت له آسية : إنه لا يعقل ، وسأريك بيان ذلك ، قدم إليه جمرتين ولؤلؤتين ، فإن اجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل ، فأخذ موسى جمرة فوضعها في فيه ، فأحرقت لسانه وصار فيه عقدة ، فسأل حلها ليفهموا كلامه . [ ص: 282 ]
وأما الوزير ، فقال : أصل الوزارة من الوزر وهو الحمل ، كان الوزير قد حمل عن السلطان الثقل . وقال ابن قتيبة : اشتقاقه من الوزر والوزر : الجبل الذي يعتصم به لينجى من الهلكة ، وكذلك وزير الخليفة ، معناه : الذي يعتمد عليه في أموره ويلتجئ إلى رأيه . ونصب " الزجاج هارون " من جهتين : إحداهما : أن تكون " اجعل " تتعدى إلى مفعولين ، فيكون المعنى : اجعل هارون أخي وزيري ، فينتصب " وزيرا " على أنه مفعول ثان . ويجوز أن يكون " هارون " بدلا من قوله : " وزيرا " ، فيكون المعنى : اجعل لي وزيرا من أهلي ، [ ثم ] أبدل هارون من وزير ، والأول أجود . قال : وإنما سأل الله تعالى أن يجعل له وزيرا ; لأنه لم يرد أن يكون مقصورا على الوزارة حتى يكون شريكا في النبوة ، ولولا ذلك لجاز أن يستوزر من غير مسألة . وقرأ الماوردي ابن كثير بفتح ياء ( أخي ) . وأبو عمرو
قوله تعالى : " اشدد به أزري " قال : هذا دعاء من موسى ، والمعنى : اشدد به يا رب أزري ، وأشركه يا رب في أمري . وقرأ الفراء : ( أشدد ) بالألف مقطوعة مفتوحة ، و( أشركه ) بضم الألف ، وكذلك يبتدئ بالألفين . قال ابن عامر أبو علي : هذه القراءة على الجواب والمجازاة ، والوجه الدعاء دون الإخبار ; لأن ما قبله دعاء ، ولأن الإشراك في النبوة لا يكون إلا من الله عز وجل . قال : والأزر : الظهر ، يقال : آزرت فلانا على الأمر ; أي : قويته عليه وكنت له فيه ظهرا . ابن قتيبة
قوله تعالى : " وأشركه في أمري " ; أي : في النبوة معي ، " كي نسبحك " ; أي : نصلي لك ، " ونذكرك " بألسنتنا حامدين لك على ما أوليتنا من نعمك ، " إنك كنت بنا بصيرا " ; أي : عالما ; إذ خصصتنا بهذه النعم . [ ص: 283 ]