قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما .
قوله تعالى : " فما خطبك يا سامري " ; أي : ما أمرك وشأنك الذي دعاك إلى ما صنعت ؟! قال : وبعض اللغويين يقول : الخطب مشتق من الخطاب . المعنى : ما أمرك الذي تخاطب فيه ؟ ابن الأنباري
واختلفوا في اسم السامري على قولين :
أحدهما : موسى أيضا ، قاله ، وقال : كان ابن عم وهب بن منبه موسى بن عمران . [ ص: 318 ]
والثاني : ميخا ، قاله . ابن السائب
وهل كان من بني إسرائيل أم لا ؟ فيه قولان :
أحدهما : لم يكن منهم ، قاله . ابن عباس
والثاني : كان من عظمائهم ، وكان من قبيلة تسمى سامرة ، قاله . وفي بلده قولان : قتادة
أحدهما : كرمان ، قاله . والثاني : سعيد بن جبير باجرما ، قاله . وهب
قوله تعالى : " بصرت بما لم يبصروا به " وقرأ حمزة : ( تبصروا ) بالتاء . فعلى قراءة الجمهور أشار إلى بني إسرائيل ، وعلى هذه القراءة خاطب الجميع . قال والكسائي : علمت ما لم تعلموا . قال : وقوم يقولون : بصرت وأبصرت سواء ، بمنزلة أسرعت وسرعت . وقال أبو عبيدة : يقال : بصر الرجل يبصر : إذا صار عليما بالشيء ، وأبصر يبصر : إذا نظر . قال المفسرون : فقال له الزجاج موسى : وما ذاك ؟ قال : رأيت جبريل على فرس ، فألقي في نفسي : أن أقبض من أثرها ، " فقبضت قبضة " وقرأ ، أبي بن كعب ، والحسن ومعاذ القارئ : ( قبصة ) بالصاد . وقال : والقبضة بالكف كلها ، والقبصة - بالصاد - بأطراف الأصابع . قال الفراء : ومثل هذا : الخضم بالفم كله ، والقضم بأطراف الأسنان ، والنضخ أكثر من النضح ، والرجز : العذاب ، والرجس : النتن ، والهلاس في البدن والسلاس في العقل ، والغلط في الكلام ، والغلت في الحساب ، والخصر : الذي يجد البرد ، والخرص الذي يجد البرد والجوع ، والنار الخامدة : التي قد سكن لهبها ولم يطفأ جمرها ، والهامدة : التي طفئت فذهبت البتة ، والشكد : العطاء ابتداء ، فإن كان جزاء فهو شكم ، والمائح : الذي يدخل البئر فيملأ الدلو ، والماتح : الذي ينزعها . ابن قتيبة
قوله تعالى : " فنبذتها " ; أي : فقذفتها في العجل . وقرأ ، أبو عمرو ، [ ص: 319 ] وحمزة ، وخلف : ( فنبذتها ) بالإدغام . " والكسائي وكذلك " ; أي : وكما حدثتك ، " سولت لي نفسي " ; أي : زينت لي ، " قال " موسى " اذهب " ; أي : من بيننا ، " فإن لك في الحياة " ; أي : ما دمت حيا ، " أن تقول لا مساس " ; أي : لا أمس ولا أمس ، فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع ، لا يمس أحدا ولا يمسه أحد ، عاقبه الله بذلك ، وألهمه أن يقول : " لا مساس " ، وكان إذا لقي أحدا يقول : لا مساس ; أي : لا تقربني ولا تمسني ، وصار ذلك عقوبة لولده ، حتى إن بقاياهم اليوم فيما ذكر أهل التفسير بأرض الشام يقولون ذلك . وحكي أنه إن مس واحد من غيرهم واحدا منهم ، أخذتهما الحمى في الحال .
قوله تعالى : " وإن لك موعدا " ; أي : لعذابك يوم القيامة ، " لن تخلفه " ; أي : لن يتأخر عنك ، ومن كسر لام ( تخلف ) أراد : لن تغيب عنه .
قوله تعالى : " وانظر إلى إلهك " يعني : العجل ، " الذي ظلت " قال : معناه : أقمت عليه . وقال ابن عباس : معنى " ظلت " : فعلته نهارا . وقرأ الفراء ، أبي بن كعب ، وأبو الجوزاء : ( ظلت ) برفع الظاء . وقرأ وابن يعمر ، ابن مسعود ، وأبو رجاء ، والأعمش : ( ظلت ) بكسر الظاء . وقال وابن أبي عبلة : ( ظلت ، وظلت ) بفتح الظاء وكسرها ، فمن فتح فالأصل فيه : ( ظللت ) ، ولكن اللام حذفت لثقل التضعيف والكسر ، وبقيت الظاء على فتحها ، ومن قرأ : ( ظلت ) بالكسر ، حول كسرة اللام على الظاء . ومعنى " الزجاج عاكفا " : مقيما ، " لنحرقنه " قرأ الجمهور : ( لنحرقنه ) بضم النون وفتح الحاء وتشديد الراء . وقرأ ، علي بن أبي طالب وأبو رزين ، : ( لنحرقنه ) بفتح النون وسكون الحاء ورفع الراء مخففة . وقرأ وابن يعمر ، أبو هريرة ، والحسن : ( لنحرقنه ) برفع النون وإسكان الحاء وكسر الراء [ ص: 320 ] مخففة . قال وقتادة : إذا شدد ، فالمعنى : نحرقه مرة بعد مرة . وتأويل " الزجاج لنحرقنه " : لنبردنه ، يقال : حرقت أحرق وأحرق : إذا بردت الشيء . والنسف : التذرية . وجاء في التفسير : أن موسى أخذ العجل فذبحه ، فسال منه دم ; لأنه كان قد صار لحما ودما ، ثم أحرقه بالنار ، ثم ذراه في البحر ، ثم أخبرهم موسى عن إلههم ، فقال : " إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو " ; أي : هو الذي يستحق العبادة لا العجل ، " وسع كل شيء علما " ; أي : وسع علمه كل شيء .