وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين .
قوله تعالى : " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث " وفيه قولان : [ ص: 371 ]
أحدهما : أنه كان عنبا ، قاله ، ابن مسعود ، ومسروق وشريح .
والثاني : كان زرعا ، قاله . قتادة
" إذ نفشت فيه غنم القوم " قال ; أي : رعت ليلا ، يقال : نفشت الغنم بالليل ، وهي إبل نفش ونفاش ونفاش ، والواحد نافش ، وسرحت وسربت بالنهار . قال ابن قتيبة : النفش بالليل ، والهمل بالنهار . وقال قتادة : النفش : أن تنتشر الغنم بالليل ترعى بلا راع . ابن السكيت
الإشارة إلى القصة
ذكر أهل التفسير أن رجلين كانا على عهد داود عليه السلام ، أحدهما صاحب حرث ، والآخر صاحب غنم ، فتفلتت الغنم فوقعت في الحرث ، فلم تبق منه شيئا ، فاختصما إلى داود ، فقال لصاحب الحرث : لك رقاب الغنم ، فقال سليمان : أوغير ذلك ؟ قال : ما هو ؟ قال : ينطلق أصحاب الحرث بالغنم فيصيبون من ألبانها ومنافعها ، ويقبل أصحاب الغنم على الكرم ، حتى إذا كان كليلة نفشت فيه الغنم ، دفع هؤلاء إلى هؤلاء غنمهم ، ودفع هؤلاء إلى هؤلاء كرمهم ، فقال داود : قد أصبت القضاء ، ثم حكم بذلك ، فذلك قوله : " وكنا لحكمهم شاهدين " ، وفي المشار إليهم قولان :
أحدهما : داود وسليمان ، فذكرهما بلفظ الجمع ; لأن الاثنين جمع ، هذا قول . الفراء
والثاني : أنهم داود وسليمان والخصوم ، قاله . وقرأ أبو سليمان الدمشقي ، ابن مسعود ، وابن عباس : " وكنا لحكمهما " على التثنية . ومعنى [ ص: 372 ] " وابن أبي عبلة شاهدين " : أنه لم يغب عنا من أمرهم شيء . " ففهمناها سليمان " يعني : القضية والحكومة . وإنما كني عنها ; لأنه قد سبق ما يدل عليها من ذكر الحكم ، " وكلا " منهما " آتينا حكما " وقد سبق بيانه . قال : لولا هذه الآية لرأيت أن القضاة قد هلكوا ، ولكنه أثنى على الحسن سليمان لصوابه ، وعذر داود باجتهاده .
فصل
قال : كان قضاء أبو سليمان الدمشقي داود وسليمان جميعا من طريق الاجتهاد ، ولم يكن نصا ; إذ لو كان نصا ما اختلفا . قال : وقد اختلف الناس في الغنم إذا نفشت ليلا في زرع رجل فأفسدته ، فمذهب أصحابنا أن عليه الضمان ، وهو قول القاضي أبو يعلى ، وقال الشافعي أبو حنيفة وأصحابه : لا ضمان عليه ليلا ونهارا ، إلا أن يكون صاحبها هو الذي أرسلها ، فظاهر الآية يدل على قول أصحابنا ; لأن داود حكم بالضمان ، . فإن قيل : فقد ثبت نسخ هذا الحكم ; لأن وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه داود حكم بدفع الغنم إلى صاحب الحرث ، وحكم سليمان له بأولادها وأصوافها ، ولا خلاف أنه لا يجب على من نفشت غنمه في حرث رجل شيء من ذلك . قيل : الآية تضمنت أحكاما ؛ منها : وجوب الضمان وكيفيته ، فالنسخ حصل على كيفيته ، ولم يحصل على أصله ، فوجب التعلق به . وقد روى حرام بن محيصة عن أبيه : دخلت حائط رجل فأفسدت ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار ، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل للبراء . [ ص: 373 ] أن ناقة
قوله تعالى : " وسخرنا مع داود الجبال يسبحن " تقدير الكلام : وسخرنا الجبال يسبحن مع داود . قال : كان إذا سبح أجابته الجبال والطير بالتسبيح والذكر . وقال غيره : كان إذا وجد فترة ، أمر الجبال فسبحت حتى يشتاق هو فيسبح . أبو هريرة
قوله تعالى : " وكنا فاعلين " ; أي : لذلك . قال : المعنى : وكنا نقدر على ما نريده . الزجاج
قوله تعالى : " وعلمناه صنعة لبوس لكم " في المراد باللبوس قولان :
أحدهما : الدروع ، وكانت قبل ذلك صفائح ، وكان داود أول من صنع هذه الحلق وسرد ، قاله . قتادة
والثاني : أن اللبوس : السلاح كله من درع إلى رمح ، قاله . وقرأ أبو عبيدة أبو المتوكل وابن السميفع : " لبوس " بضم اللام .
قوله تعالى : " لتحصنكم " قرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة : ( ليحصنكم ) بالياء . وقرأ والكسائي ابن عامر وحفص عن : ( لتحصنكم ) بالتاء . وروى عاصم أبو بكر عن : ( لنحصنكم ) بالنون خفيفة . وقرأ عاصم ، أبو الدرداء ، وأبو عمران الجوني وأبو حيوة : ( لتحصنكم ) بتاء مرفوعة وفتح الحاء وتشديد الصاد . وقرأ ، ابن مسعود ، وأبو الجوزاء وحميد بن قيس : ( لتحصنكم ) بتاء مفتوحة مع فتح الحاء وتشديد الصاد مع ضمها . وقرأ أبو رزين العقيلي ، ، وأبو المتوكل : ( لنحصنكم ) بنون مرفوعة وفتح الحاء وكسر الصاد مع تشديدها . وقرأ ومجاهد معاذ القارئ ، ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري ، وابن السميفع : ( ليحصنكم ) بياء مرفوعة وسكون الحاء وكسر الصاد مشددة النون . [ ص: 374 ] وعكرمة
فمن قرأ بالياء ، ففيه أربعة أوجه ; قال : أن يكون الفاعل اسم الله لتقدم معناه ، ويجوز أن يكون اللباس ; لأن اللبوس بمعنى اللباس من حيث كان ضربا منه ، ويجوز أن يكون أبو علي الفارسي داود ، ويجوز أن يكون التعليم ، وقد دل عليه " علمناه " .
ومن قرأ بالتاء حمله على المعنى ; لأنه الدرع .
ومن قرأ بالنون فلتقدم قوله : " وعلمناه " .
ومعنى " لتحصنكم " : لتحرزكم وتمنعكم ، " من بأسكم " يعني : الحرب .
قوله تعالى : " ولسليمان الريح " وقرأ ، أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو عمران الجوني وأبو حيوة الحضرمي : ( الرياح ) بألف مع رفع الحاء . وقرأ ، الحسن ، وأبو المتوكل بالألف ونصب الحاء ، والمعنى : وسخرنا وأبو الجوزاء لسليمان الريح ، " عاصفة " ; أي : شديدة الهبوب ، " تجري بأمره " يعني : بأمر سليمان ، " إلى الأرض التي باركنا فيها " وهي أرض الشام ، وقد مر بيان بركتها في هذه السورة [ الأنبياء : 72 ] ، والمعنى : أنها كانت تسير به إلى حيث شاء ، ثم تعود به إلى منزله بالشام .
قوله تعالى : " وكنا بكل شيء عالمين " علمنا أن ما نعطي سليمان يدعوه إلى الخضوع لربه .
قوله تعالى : " ومن الشياطين من يغوصون له " قال : " أبو عبيدة من " تقع على الواحد والاثنين والجمع ، من المذكر والمؤنث . قال المفسرون : كانوا يغوصون في البحر فيستخرجون الجواهر ، " ويعملون عملا دون ذلك " قال : معناه : سوى ذلك . " الزجاج وكنا لهم حافظين " أن يفسدوا ما عملوا . وقال غيره : أن يخرجوا عن أمره .