وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون .
قوله تعالى : " لا تذرني فردا " ; أي : وحيدا بلا ولد ، " وأنت خير الوارثين " ; أي : أفضل من بقي حيا بعد ميت .
قوله تعالى : " وأصلحنا له زوجه " فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أصلحت للولد بعد أن كانت عقيما ، قاله ، ابن عباس ، وسعيد بن جبير . وقتادة
والثاني : أنه كان في لسانها طول ، وهو البذاء ، فأصلحت ، قاله . وقال عطاء : كانت سليطة فكف عنه لسانها . [ ص: 385 ] السدي
والثالث : أنه كان خلقها سيئا ، قاله . محمد بن كعب
قوله تعالى : " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات " ; أي : يبادرون في طاعة الله . وفي المشار إليهم قولان :
أحدهما : زكريا ، وامرأته ، ويحيى . والثاني : جميع الأنبياء المذكورون في هذه السورة .
قوله تعالى : " ويدعوننا " وقرأ ابن مسعود وابن محيصن : ( ويدعونا ) بنون واحدة .
قوله تعالى : " رغبا ورهبا " ; أي : رغبا في ما عندنا ورهبا منا . وقرأ : ( رغبا ورهبا ) بضم الراءين وجزم الغين والهاء ، وهما لغتان ، مثل : النحل والنحل ، والسقم والسقم . " الأعمش وكانوا لنا خاشعين " ; أي : متواضعين .
قوله تعالى : " والتي أحصنت فرجها " فيه قولان :
أحدهما : أنه مخرج الولد ، والمعنى : منعته مما لا يحل . وإنما وصفت بالعفاف ; لأنها قذفت بالزنا .
والثاني : أنه جيب درعها ، ومعنى الفرج في اللغة : كل فرجة بين شيئين ، وموضع جيب درع المرأة مشقوق ، فهو يسمى فرجا . وهذا أبلغ في الثناء عليها ; لأنها إذا منعت جيب درعها فهي لنفسها أمنع .
قوله تعالى : " فنفخنا فيها " ; أي : أمرنا جبريل فنفخ في درعها ، فأجرينا فيها روح عيسى كما تجري الريح بالنفخ . وأضاف الروح إليه إضافة الملك ; للتشريف والتخصيص . " وجعلناها وابنها آية " قال : لما كان شأنهما واحدا ، كانت [ ص: 386 ] الآية فيهما آية واحدة ، وهي ولادة من غير فحل . وقرأ الزجاج ابن مسعود : ( آيتين ) على التثنية . وابن أبي عبلة
قوله تعالى : " إن هذه أمتكم " قال : المراد بالأمة هاهنا : الدين . وفي المشار إليهم قولان : ابن عباس
أحدهما : أنهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو معنى قول . مقاتل
والثاني : أنهم الأنبياء عليهم السلام ، قاله . ثم ذكر أهل الكتاب ، فذمهم بالاختلاف ، فقال تعالى : " أبو سليمان الدمشقي وتقطعوا أمرهم بينهم " ; أي : اختلفوا في الدين ، " فمن يعمل من الصالحات " ; أي : شيئا من الفرائض وأعمال البر ، " فلا كفران لسعيه " ; أي : لا نجحد ما عمل ، قاله ، والمعنى : أنه يقبل منه ويثاب عليه . " ابن قتيبة وإنا له كاتبون " ذلك ، نأمر الحفظة أن يكتبوه لنجازيه به .