ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق .
قوله تعالى : " ذلك " ; أي : الأمر ذلك ، يعني : ما ذكر من أعمال الحج . " ومن يعظم حرمات الله " فيجتنب ما حرم الله عليه في الإحرام تعظيما لأمر الله . قال : الحرمة : ما لا يحل انتهاكه . وقال الليث : الحرمة : ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه . الزجاج
قوله تعالى : " فهو " يعني : التعظيم ، " خير له عند ربه " في الآخرة ، " وأحلت لكم الأنعام " وقد سبق بيانها [ المائدة : 1 ] . " إلا ما يتلى عليكم " تحريمه ، يعني [ به ] : ما ذكر في ( المائدة : 3 ) من المنخنقة وغيرها . وقيل : وأحلت لكم الأنعام في حال إحرامكم ، إلا ما يتلى عليكم في الصيد ، فإنه حرام .
قوله تعالى : " فاجتنبوا الرجس " ; أي : دعوه جانبا . قال : و " الزجاج من " هاهنا لتخليص جنس من أجناس ، المعنى : فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن . وقد شرحنا معنى الرجس في ( المائدة : 90 ) . [ ص: 429 ]
وفي المراد بقول الزور أربعة أقوال :
أحدها : شهادة الزور ، قاله . والثاني : الكذب ، قاله ابن مسعود . والثالث : الشرك ، قاله مجاهد . والرابع : أنه قول المشركين في الأنعام : هذا حلال وهذا حرام ، قاله أبو مالك . قال : وقوله تعالى : " الزجاج حنفاء لله " منصوب على الحال ، وتأويله : مسلمين لا ينسبون إلى دين غير الإسلام . ثم ضرب الله مثلا للمشرك ، فقال : " ومن يشرك بالله " إلى قوله : " سحيق " ، والسحيق : البعيد .
واختلفوا في قراءة " فتخطفه " ، فقرأ الجمهور : ( فتخطفه ) بسكون الخاء من غير تشديد الطاء . وقرأ بتشديد الطاء . وقرأ نافع أبو المتوكل ومعاذ القارئ بفتح التاء والخاء وتشديد الطاء ونصب الفاء . وقرأ أبو رزين ، ، وأبو الجوزاء بكسر التاء والخاء وتشديد الطاء ورفع الفاء . وقرأ وأبو عمران الجوني الحسن بفتح التاء وكسر الخاء وتشديد الطاء ورفع الفاء ، وكلهم فتح الطاء . والأعمش
وفي المراد بهذا المثل قولان :
أحدهما : أنه شبه المشرك بالله في بعده عن الهدى وهلاكه ، بالذي يخر من السماء ، قاله . قتادة
والثاني : أنه شبه حال المشرك في أنه لا يملك لنفسه نفعا ولا دفع ضر يوم القيامة ، بحال الهاوي من السماء ، حكاه . الثعلبي
قوله تعالى : " ذلك " ; أي : الأمر ذلك الذي ذكرناه ، " ومن يعظم شعائر الله " قد شرحنا معنى الشعائر في ( البقرة : 158 ) .
وفي المراد بها هاهنا قولان :
أحدهما : أنها البدن . وتعظيمها : استحسانها واستسمانها ، " لكم فيها منافع " [ ص: 430 ] قبل أن يسميها صاحبها هديا ، أو يشعرها ويوجبها ، فإذا فعل ذلك ، لم يكن له من منافعها شيء ، روى هذا المعنى مقسم عن ، وبه قال ابن عباس ، مجاهد ، وقتادة . وقال والضحاك : لكم في هذه الهدايا منافع بعد إيجابها وتسميتها هدايا ، إذا احتجتم إلى شيء من ذلك ، أو اضطررتم إلى شرب ألبانها ، " عطاء بن أبي رباح إلى أجل مسمى " وهو أن تنحر .
والثاني : أن الشعائر : المناسك ومشاهد مكة ، والمعنى : لكم فيها منافع بالتجارة إلى أجل مسمى ، وهو الخروج من مكة ، رواه أبو رزين عن . وقيل : لكم فيها منافع من الأجر والثواب في قضاء المناسك إلى أجل مسمى ، وهو انقضاء أيام الحج . ابن عباس
قوله تعالى : " فإنها " يعني : الأفعال المذكورة ، من اجتناب الرجس ، وقول الزور ، وتعظيم الشعائر . وقال : " فإنها " يعني : الفعلة " الفراء من تقوى القلوب " ، وإنما أضاف التقوى إلى القلوب ; لأن تقوى القلوب . حقيقة التقوى
قوله تعالى : " ثم محلها " ; أي : حيث يحل نحرها ، " إلى البيت " يعني : عند البيت ، والمراد به : الحرم كله ; لأنا نعلم أنها لا تذبح عند البيت ، ولا في المسجد ، هذا على القول الأول ، وعلى الثاني يكون المعنى : ثم محل الناس من إحرامهم إلى البيت ، وهو أن يطوفوا به بعد قضاء المناسك .