ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا [ ص: 492 ] وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون .
قوله تعالى : " ألم تكن " المعنى : ويقال لهم : ألم تكن ، " آياتي تتلى عليكم " ، يعني : القرآن . " قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا " قرأ ، ابن كثير ، وعاصم ، ونافع ، وأبو عمرو : ( شقوتنا ) بكسر الشين من غير ألف . وقرأ وابن عامر عمرو بن العاص ، وأبو رزين العقيلي ، كذلك ، إلا أنه بفتح الشين . وقرأ وأبو رجاء العطاردي ، ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، والأعمش ، وحمزة : ( شقاوتنا ) بألف مع فتح الشين والقاف . وعن والكسائي الحسن كذلك ، إلا أن الشين مكسورة . قال المفسرون : أقر القوم بأن ما كتب عليهم من الشقاء منعهم الهدى . وقتادة
قوله تعالى : " ربنا أخرجنا منها " ; أي : من النار . قال : طلبوا الرجوع إلى الدنيا . " ابن عباس فإن عدنا " ; أي : إلى الكفر والمعاصي .
قوله تعالى : " اخسئوا " قال : تباعدوا تباعد سخط ، يقال : خسأت الكلب أخسؤه : إذا زجرته ليتباعد . الزجاج
قوله تعالى : " ولا تكلمون " ; أي : في رفع العذاب عنكم . قال : إن أهل جهنم يدعون عبد الله بن عمرو مالكا أربعين عاما فلا يجيبهم ، ثم يقول : إنكم ماكثون [ الزخرف : 77 ] ، ثم ينادون ربهم " ربنا أخرجنا منها " فيدعهم مثل عمر الدنيا ، ثم يقول : " إنكم ماكثون " ، ثم ينادون ربهم " ربنا أخرجنا منها " فيدعهم مثل عمر الدنيا ، ثم يرد عليهم " اخسئوا فيها ولا تكلمون " فما ينبس القوم بعد ذلك بكلمة ، إن كان إلا الزفير والشهيق . [ ص: 493 ]
ثم بين الذي لأجله أخسأهم بقوله : " إنه " . وقرأ ، ابن مسعود ، وأبو عمران الجوني وعاصم الجحدري : ( أنه ) بفتح الهمزة . " كان فريق من عبادي " قال : يريد : المهاجرين . ابن عباس
قوله تعالى : " فاتخذتموهم " قال : الأجود إدغام الذال في التاء لقرب المخرجين ، وإن شئت أظهرت ; لأن الذال من كلمة والتاء من كلمة ، وبين الذال والتاء في المخرج شيء من التباعد . الزجاج
قوله تعالى : " سخريا " قرأ ، نافع ، وحمزة ، والكسائي وأبو حاتم عن يعقوب : ( سخريا ) بضم السين هاهنا وفي ( ص : 63 ) ، تابعهم المفضل في ( ص : 32 ) . وقرأ ، ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم بكسر السين في السورتين . ولم يختلف في ضم السين في الحرف الذي في ( الزخرف : 32 ) . واختار وابن عامر الضم ، الفراء الكسر . وهل هما بمعنى ؟ فيه قولان : والزجاج
أحدهما : أنهما لغتان ومعناهما واحد ، قاله الخليل ، ومثله قول وسيبويه العرب : بحر لجي ولجي ، وكوكب دري ودري .
والثاني : أن الكسر بمعنى الهمز ، والضم بمعنى السخرة والاستعباد ، قاله ، وحكاه أبو عبيدة ، وهو مروي عن الفراء الحسن . وقتادة
قال أبو علي : قراءة من كسر أرجح من قراءة من ضم ; لأنه من الهزء ، والأكثر في الهزء كسر السين . قال : كان رءوس كفار مقاتل قريش ، كأبي جهل ، وعقبة ، [ والوليد ] ، قد اتخذوا فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ، كعمار ، وبلال ، وخباب ، سخريا يستهزئون بهم ويضحكون منهم . [ ص: 494 ] وصهيب
قوله تعالى : " حتى أنسوكم ذكري " ; أي : أنساكم الاشتغال بالاستهزاء بهم ذكري ، فنسب الفعل إلى المؤمنين وإن لم يفعلوه ; لأنهم كانوا السبب في وجوده ، كقوله : إنهن أضللن كثيرا من الناس [ إبراهيم : 36 ] .
قوله تعالى : " إني جزيتهم اليوم بما صبروا " ; أي : على أذاكم واستهزائكم . " أنهم " قرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو : ( أنهم ) بفتح الألف . وقرأ وابن عامر حمزة : ( إنهم ) بكسرها . فمن فتح ( أنهم ) فالمعنى : جزيتهم بصبرهم الفوز ، ومن كسر ( إنهم ) استأنف . والكسائي