لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم . ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم
قوله تعالى: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا فيه ثلاثة أقوال .
أحدها : أنه نهي عن التعرض لإسخاط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه إذا دعا على شخص فدعوته موجبة ، قاله ابن عباس .
والثاني : أنهم أمروا أن يقولوا : يا رسول الله ، ونهوا أن يقولوا : يا محمد ، قاله سعيد بن جبير ، وعلقمة ، والأسود ، وعكرمة ، ومجاهد .
والثالث : أنه نهي لهم عن الإبطاء إذا أمرهم والتأخر إذا دعاهم ، حكاه الماوردي .
وقرأ الحسن ، وأبو رجاء ، وأبو المتوكل ، ومعاذ القارئ : " دعاء الرسول نبيكم " بياء مشددة ونون قبل الباء .
قوله تعالى: قد يعلم الله الذين يتسللون التسلل : الخروج في خفية .
[ ص: 69 ] واللواذ : أن يستتر بشيء مخافة من يراه . والمراد بقوله قد يعلم التهديد بالمجازاة . قال الفراء : كان المنافقون يشهدون الجمعة فيذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبهم بالآيات التي أنزلت فيهم ، فإن خفي لأحدهم القيام قام ، فذلك قوله : قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا أي : يلوذ هذا بهذا ، أي : يستتر ذا بذا .
وإنما قال : لواذا لأنها مصدر " لاوذت " ، ولو كان مصدرا لـ " لذت " لقلت : لذت لياذا ، كما تقول : قمت قياما . وكذلك قال ثعلب : وقع البناء على لاوذ ملاوذة ، ولو بني على لاذ يلوذ ، لقيل : لياذا . وقيل : هذا كان في حفر الخندق ، كان المنافقون ينصرفون عن غير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مختفين .
قوله تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره في هاء الكناية قولان .
أحدهما : أنها ترجع إلى الله عز وجل ، قاله مجاهد .
والثاني : إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله قتادة .
وفي " عن " قولان .
أحدهما : [أنها] زائدة ، قاله الأخفش . والثاني : أن معنى " يخالفون " : يعرضون عن أمره .
وفي الفتنة هاهنا ثلاثة أقوال .
أحدها : الضلالة ، قاله ابن عباس . والثاني : بلاء في الدنيا ، قاله مجاهد . والثالث : كفر ، قاله السدي ، ومقاتل .
[ ص: 70 ] قوله تعالى: أو يصيبهم عذاب أليم فيه قولان .
أحدهما : القتل في الدنيا . والثاني : عذاب جهنم في الآخرة .
قوله تعالى: قد يعلم ما أنتم عليه أي : ما في أنفسكم ، وما تنطوي عليه ضمائركم من الإيمان والنفاق ; وهذا تنبيه على الجزاء على ذلك .


