وهي مكية كلها ، إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة ، من قوله : والشعراء يتبعهم الغاوون [الشعراء : 224] إلى آخرها ، قاله ، ابن عباس . وقتادة
بسم الله الرحمن الرحيم
طسم . تلك آيات الكتاب المبين لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين . إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين . فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم . إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
قوله تعالى: طسم قرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " طسم " بفتح الطاء وإدغام النون من هجاء " سين " عند الميم . وقرأ وابن عامر ، حمزة ، والكسائي ، وخلف ، وأبان والمفضل : " طسم " و " طس " [النمل] بإمالة الطاء فيهما .
وأظهر النون من هجاء " سين " عند الميم هاهنا وفي (القصص) . حمزة
[ ص: 115 ] وفي معنى " طسم " أربعة أقوال .
أحدها : أنها حروف من كلمات ، ثم فيها ثلاثة أقوال . أحدها : [ما] رواه عليه السلام قال : علي بن أبي طالب لما نزلت " طسم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطاء : طور سيناء ، والسين : الإسكندرية ، والميم : مكة " . والثاني : [أن] الطاء : طيبة ، وسين : بيت المقدس ، وميم : مكة ، [رواه عن الضحاك . والثالث : الطاء : شجرة طوبى ، والسين : سدرة المنتهى ، والميم : ابن عباس] محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله . جعفر الصادق
والثاني : أنه قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله تعالى ، رواه ابن أبي طلحة عن . وقد بينا كيف يكون مثل هذا من أسماء الله تعالى في فاتحة ابن عباس مريم . وقال : أقسم الله بطوله وسنائه وملكه . القرظي
والثالث : أنه اسم للسورة ، قاله . مجاهد
والرابع : أنه اسم من أسماء القرآن ، قاله ، قتادة وأبو روق . وما بعد [ ص: 116 ] هذا قد سبق تفسيره [المائدة : 15 ، الكهف : 6] إلى قوله : ألا يكونوا مؤمنين والمعنى : لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان .
ثم أخبر أنه لو أراد أن ينزل عليهم ما يضطرهم إلى الإيمان لفعل ، فقال : إن نشأ ننزل وقرأ أبو رزين ، : " إن يشأ ينزل " بالياء فيهما ، وأبو المتوكل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين جعل الفعل أولا للأعناق ، ثم جعل " خاضعين " للرجال ، لأن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون . وقيل : لما وصف الأعناق بالخضوع ، وهو من صفات بني آدم ، أخرج الفعل مخرج الآدميين كما بينا في قوله : والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين [يوسف : 4] ، وهذا اختيار . وقال أبي عبيدة : قوله : " الزجاج فظلت " معناه : فتظل ، لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل ، كقولك : إن تأتني أكرمتك ، معناه : أكرمك ; وإنما قال : " خاضعين " لأن خضوع الأعناق هو خضوع أصحابها ، وذلك أن الخضوع لما لم يكن إلا بخضوع الأعناق ، جاز أن يخبر عن المضاف إليه كما قال الشاعر :
رأت مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
فلما كانت السنون لا تكون إلا بمر ، أخبر عن السنين ، وإن كان أضاف إليها المرور . قال : وجاء في التفسير أنه يعني بالأعناق كبراءهم ورؤساءهم . وجاء في [ ص: 117 ] اللغة أن أعناقهم جماعاتهم ; يقال : جاءني عنق من الناس ، أي : جماعة . وما بعد هذا قد سبق تفسيره [الأنبياء : 2] إلى قوله : أولم يروا إلى الأرض يعني المكذبين بالبعث كم أنبتنا فيها بعد أن لم يكن فيها نبات من كل زوج كريم قال : من كل جنس حسن . وقال ابن قتيبة : الزوج : النوع ، والكريم : المحمود . الزجاج
قوله تعالى: إن في ذلك الإنبات لآية تدل على وحدانية الله وقدرته وما كان أكثرهم مؤمنين أي : ما كان أكثرهم يؤمن في علم الله ، وإن ربك لهو العزيز المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه .