إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون . وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم . فتوكل على الله إنك على الحق المبين إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون .
إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا يطعن بعضهم على بعض ، فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه ، فلو أخذوا به لسلموا . إن ربك يقضي بينهم يعني بين بني إسرائيل بحكمه وقرأ ، أبو المتوكل ، وأبو عمران الجوني وعاصم الجحدري : " بحكمه " بكسر الحاء وفتح الكاف .
قوله تعالى: إنك لا تسمع الموتى قال المفسرون : هذا مثل ضربه الله للكفار فشبههم بالموتى .
قوله تعالى: ولا تسمع الصم الدعاء وقرأ : " ولا يسمع الصم " بفتح ميم " يسمع " ، وضم ميم " الصم " . ابن كثير
قوله تعالى: إذا ولوا مدبرين أي : أن الصم إذا أدبروا عنك ثم [ ص: 190 ] ناديتهم لم يسمعوا ، فكذلك الكافر . وما أنت بهاد العمي أي : [ما أنت] بمرشد من أعماه الله عن الهدى ، إن تسمع إسماع إفهام إلا من يؤمن بآياتنا .
قوله تعالى: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض " وقع " بمعنى " وجب " .
وفي المراد بالقول ثلاثة أقوال .
أحدها : العذاب ، قاله . والثاني : الغضب ، قاله ابن عباس . والثالث : الحجة ، قاله قتادة . ومتى ذلك؟ فيه قولان . ابن قتيبة
أحدهما : إذا لم يأمروا بمعروف ، ولم ينهوا عن منكر ، قاله ، ابن عمر . وأبو سعيد الخدري
والثاني : إذا لم يرج صلاحهم ، حكاه ، وهو معنى قول أبو سليمان الدمشقي . والإشارة بقوله : " عليهم " إلى الكفار الذين تخرج الدابة عليهم . أبي العالية
وللمفسرين في صفة الدابة أربعة أقوال .
أحدها : أنها ذات وبر وريش ، رواه بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال حذيفة : ذات زغب وريش لها أربع قوائم . ابن عباس
والثاني : أن رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إيل ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا ، رواه عن ابن جريج . أبي الزبير
[ ص: 191 ] والثالث : أن وجهها وجه رجل ، وسائر خلقها كخلق الطير ، قاله . وهب
والرابع : أن لها أربع قوائم وزغبا وريشا وجناحين ، قاله . مقاتل
وفي المكان الذي تخرج منه خمسة أقوال .
أحدها : من الصفا . روى عن النبي صلى الله عليه وسلم [أنه] قال : " حذيفة بن اليمان بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون ، تضطرب الأرض تحتهم ، وينشق الصفا مما يلي المسعى ، وتخرج الدابة من الصفا ، أول ما يبدو منها رأسها ، ملمعة ذات وبر وريش ، لن يدركها طالب ، ولن يفوتها هارب " . وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " طولها ستون ذراعا " ، وكذلك قال : تخرج من ابن مسعود الصفا . وقال : تخرج من صدع في الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها . وقال ابن عمر : تخرج الدابة فيمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض ما خرجتا . عبد الله بن عمر
والثاني : أنها تخرج من شعب أجياد ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن مثله . ابن عمر
والثالث : تخرج من بعض أودية تهامة ، قاله . ابن عباس
والرابع : من بحر سدوم ، قاله . وهب بن منبه
[ ص: 192 ] والخامس : أنها تخرج بتهامة بين الصفا والمروة ، حكاه وقد روى الزجاج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أبو هريرة سليمان ، وعصا موسى ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحطم أنف الكافر بالخاتم ، حتى إن أهل البيت ليجتمعون ، فيقول هذا : يا مؤمن ، ويقول هذا : يا كافر " . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تخرج الدابة معها خاتم تسم المؤمن بين عينيه وتكتب بين عينيه : مؤمن ، وتسم الكافر بين عينيه وتكتب بين عينيه : كافر ، وتصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين " . وقال حذيفة بن أسيد : إن للدابة ثلاث خرجات ، خرجة في بعض البوادي ثم تنكتم ، وخرجة في بعض القرى ثم تنكتم ، فبينما الناس عند أشرف المساجد - يعني المسجد الحرام - إذ ارتفعت الأرض ، فانطلق الناس هرابا ، فلا يفوتونها ، حتى إنها لتأتي الرجل وهو يصلي ، فنقول : أتتعوذ بالصلاة ، والله ما كنت من أهل الصلاة ، فتخطمه ، وتجلو وجه المؤمن . وقال [ ص: 193 ] إنها تنكت في وجه الكافر نكتة سوداء فتفشو في وجهه ، فيسود وجهه وتنكت في وجه المؤمن نكتة بيضاء فتفشو في وجهه حتى يبيض وجهه ، فيعرف الناس المؤمن والكافر ، ولكأني بها قد خرجت في عقب ركب من الحاج . عبد الله بن عمرو:
قوله تعالى: تكلمهم قرأ الأكثرون بتشديد اللام ، فهو من الكلام .
وفيما تكلمهم به ثلاثة أقوال .
أحدها : أنها تقول لهم : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، قاله . قتادة
والثاني : تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام ، قاله . السدي
والثالث : تقول : هذا مؤمن ، وهذا كافر ، حكاه . الماوردي
وقرأ ، ابن أبي عبلة والجحدري : بتسكين الكاف وكسر اللام [وفتح التاء] ، فهو من الكلم ; قال : والمعنى : تجرحهم . وسئل ثعلب عن القراءتين ، فقال كل ذلك والله تفعله ، تكلم المؤمن ، وتكلم الفاجر والكافر ، أي : تجرحه . ابن عباس
قوله تعالى: أن الناس قرأ عاصم ، وحمزة ، بفتح الهمزة ، وكسرها الباقون; فمن فتح أراد : تكلمهم بأن الناس ، وهكذا قرأ والكسائي ، ابن مسعود : " تكلمهم بأن الناس " بزيادة باء مع فتح الهمزة ; ومن كسر ، فلأن معنى " تكلمهم " : تقول لهم إن الناس ، والكلام قول . وأبو عمران الجوني