فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون . قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا [ ص: 227 ] لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين . ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون . وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون . وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين
قوله تعالى: فلما جاءهم يعني أهل مكة الحق من عندنا وهو محمد عليه السلام والقرآن قالوا لولا أي : هلا أوتي محمد من الآيات مثل ما أوتي موسى كالعصا واليد . قال المفسرون : أمرت اليهود قريشا أن تسأل محمدا مثل ما أوتي موسى ، فقال الله تعالى : أولم يكفروا بما أوتي موسى أي : فقد كفروا بآيات موسى ، و قالوا في المشار إليهم قولان . أحدهما : اليهود . والثاني : قريش . سحران قرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " ساحران " . وابن عامر تظاهرا أي : تعاونا . وروى العباس الأنصاري عن : " تظاهرا " بتشديد الظاء . أبي عمرو
وفيمن عنوا ثلاثة أقوال .
أحدها : موسى ومحمد ، قاله ، ابن عباس ، والحسن ; فعلى هذا هو من قول مشركي وسعيد بن جبير العرب .
والثاني : موسى وهارون ، قاله ; فعلى هذا هو من قول اليهود لهما في ابتداء الرسالة . مجاهد
[ ص: 228 ] والثالث : محمد وعيسى ، قاله ; فعلى هذا هو من قول اليهود الذين لم يؤمنوا بنبينا . قتادة
وقرأ ، عاصم ، وحمزة : " سحران " وفيه ثلاثة أقوال . والكسائي
أحدها : التوراة والفرقان ، قاله ، ابن عباس . والسدي
والثاني : الإنجيل والقرآن ، قاله . قتادة
والثالث : التوراة والإنجيل ، قاله أبو مجلز ، وإسماعيل بن أبي خالد . ومعنى الكلام : كل سحر منهما يقوي الآخر ، فنسب التظاهر إلى السحرين توسعا في الكلام ، وقالوا إنا بكل كافرون يعنون ما تقدم ذكره على اختلاف الأقوال ، فقال الله لنبيه قل لكفار مكة فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أي : من التوراة والقرآن ، إن كنتم صادقين أنهما ساحران . فإن لم يستجيبوا لك أي : فإن لم يأتوا بمثل التوراة والقرآن ، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم أي : أن ما ركبوه من الكفر لم يحملهم عليه حجة ، وإنما آثروا فيه الهوى ومن أضل أي : ولا أحد أضل ممن اتبع هواه بغير هدى أي : بغير رشاد ولا بيان جاء من الله . ولقد وصلنا لهم القول وقرأ ، الحسن ، وأبو المتوكل : " وصلنا " بتخفيف الصاد . وابن يعمر
وفي المشار إليهم قولان .
أحدهما أنهم قريش ، قاله الأكثرون ، منهم . مجاهد
والثاني : اليهود ، قاله رفاعة القرظي .
والمعنى : أنزلنا القرآن يتبع بعضه بعضا ، ويخبر عن الأمم الخالية كيف عذبوا لعلهم يتعظون .
الذين آتيناهم الكتاب وفيهم ثلاثة أقوال . [ ص: 229 ] أحدها : أنهم مؤمنو أهل الكتاب ، رواه عن العوفي ، وبه قال ابن عباس . مجاهد
والثاني : مسلمو أهل الإنجيل ، روى عن سعيد بن جبير أن أربعين من أصحاب ابن عباس قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه النجاشي أحدا ، فنزلت فيهم هذه الآية .
والثالث : مسلمو اليهود ، وغيره ، قاله كعبد الله بن سلام . السدي
قوله تعالى: من قبله أي : من قبل القرآن هم به في هاء الكناية قولان . أحدهما : أنها ترجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن ذكره كان مكتوبا [عندهم] في كتبهم ، فآمنوا به . والثاني : إلى القرآن .
قوله تعالى: وإذا يتلى عليهم يعني القرآن قالوا آمنا به ، إنا كنا من قبله أي : من قبل نزول القرآن مسلمين أي : مخلصين لله مصدقين بمحمد ، وذلك لأن ذكره كان في كتبهم فآمنوا به أولئك يؤتون أجرهم مرتين في المشار إليهم قولان .
أحدهما : أنهم مؤمنو أهل الكتاب ، وهذا قول الجمهور ، وهو الظاهر [ ص: 230 ] وفيما صبروا عليه قولان . أحدهما : أنهم صبروا على الكتاب الأول ، وصبروا على اتباعهم محمدا ، قاله ، قتادة . والثاني : أنهم صبروا على الإيمان وابن زيد بمحمد قبل أن يبعث ، ثم على اتباعه حين بعث ، قاله . الضحاك
والقول الثاني : أنهم قوم من المشركين أسلموا ، فكان قومهم يؤذونهم ، فصبروا على الأذى ، قاله . مجاهد
قوله تعالى: ويدرءون بالحسنة السيئة فيه أقوال قد شرحناها في (الرعد : 22) .
قوله تعالى: وإذا سمعوا اللغو فيه ثلاث أقوال .
أحدها : الأذى والسب ، قاله . والثاني : الشرك ، قاله مجاهد . والثالث : أنهم قوم من اليهود آمنوا ، فكانوا يسمعون ما غير اليهود من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكرهون ذلك ويعرضون عنه ، قاله الضحاك ابن زيد . وهل هذا منسوخ ، أم لا؟ فيه قولان .
وفي قوله : وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم قولان .
أحدهما : لنا ديننا ولكم دينكم . والثاني : لنا حلمنا ولكم سفهكم .
سلام عليكم قال : لم يريدوا التحية ، وإنما أرادوا : بيننا وبينكم المتاركة ، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال . وذكر المفسرون أن هذا منسوخ بآية السيف . الزجاج
وفي قوله : لا نبتغي الجاهلين ثلاثة أقوال .
أحدها : لا نبتغي دين الجاهلين . والثاني : لا نطلب مجاورتهم . والثالث : لا نريد أن نكون جهالا .