قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير . ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير
قوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم المعنى: قل للكفار: ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة لينعموا عليكم بنعمة، أو يكشفوا عنكم بلية . ثم أخبر عنهم فقال: لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض أي: من خير وشر ونفع وضر وما لهم فيهما من شرك لم يشاركونا في شيء من خلقهما، وما له أي: وما لله منهم أي: من الآلهة من ظهير أي: من معين على شيء .
ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له قرأ ابن كثير، ونافع، " أذن له " بفتح الألف . وقرأ وابن عامر: أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، " أذن له " برفع الألف . وعن وخلف: كالقراءتين . أي: لا تنفع شفاعة ملك ولا نبي حتى يؤذن له في الشفاعة، وقيل: حتى يؤذن له فيمن يشفع . وفي هذا رد عليهم حين قالوا: إن هذه الآلهة تشفع لنا . عاصم
[ ص: 452 ] حتى إذا فزع عن قلوبهم قرأ الأكثرون: " فزع " بضم الفاء وكسر الزاي . قال : خفف عنها الفزع . وقال ابن قتيبة معناه: كشف الفزع عن قلوبهم . وقرأ الزجاج: ابن عامر، ويعقوب، " فزع " بفتح الفاء والزاي، والفعل لله عز وجل . وقرأ وأبان: الحسن، وقتادة، " فرغ " بالراء غير معجمة، وبالغين معجمة، وهو بمعنى الأول، لأنها فرغت من الفزع . وقال غيره: بل فرغت من الشك والشرك . وابن يعمر:
وفي المشار إليهم قولان .
أحدهما: أنهم الملائكة . وقد دل الكلام على أنهم يفزعون لأمر يطرأ عليهم من أمر الله، ولم يذكره في الآية، لأن إخراج الفزع يدل على حصوله . وفي سبب فزعهم قولان .
أحدهما: أنهم يفزعون لسماع كلام الله تعالى . روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عبد الله بن مسعود جبريل، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل: ماذا قال ربك؟ قال: فيقول: الحق، فينادون: الحق الحق " وروى إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أبو هريرة وهو العلي الكبير " إذا قضى الله عز وجل الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا: [ ص: 453 ] للذي قال الحق
والثاني: أنهم يفزعون من قيام الساعة . وفي السبب الذي ظنوه بدنو الساعة ففزعوا، قولان .
أحدهما: أنه لما كانت الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، ثم بعث الله محمدا، أنزل الله جبريل بالوحي، فلما نزل ظنت الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة، فصعقوا لذلك، فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي، قاله قتادة، ومقاتل، وابن السائب . وقيل: لما علموا بالإيحاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فزعوا، لعلمهم أن ظهوره من أشراط الساعة .
والثاني: أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض ويكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الله تعالى فانحدروا، يسمع لهم صوت شديد، فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة، فيخرون سجدا، ويصعقون حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة، وهذا كلما مروا عليهم، رواه عن الضحاك . ابن مسعود
والقول الثاني: أن الذي أشير إليهم المشركون; ثم في معنى الكلام قولان .
أحدهما: أن المعنى: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند الموت- إقامة للحجة عليهم- قالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق، فأقروا حين لم ينفعهم الإقرار، قاله الحسن، وابن زيد .
[ ص: 454 ] والثاني: حتى إذا كشف الغطاء عن قلوبهم يوم القيامة، قيل لهم: ماذا قال ربكم؟ قاله . مجاهد