فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم . ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم . طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم .
قوله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله قال بعضهم: اثبت على علمك، وقال قوم: المراد بهذا الخطاب غيره; وقد شرحنا هذا في فاتحة " الأحزاب " . وقيل: إنه كان يضيق صدره بما يقولون، فقيل له: اعلم أنه لا كاشف لما بك إلا الله .
فأما قوله: واستغفر لذنبك فإنه كان يستغفر في اليوم مائة مرة، وأمر أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات إكراما لهم لأنه شفيع مجاب .
[ ص: 405 ] والله يعلم متقلبكم ومثواكم فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الآخرة، وهو معنى قول ابن عباس .
والثاني: متقلبكم في أصلاب الرجال إلى أرحام النساء، ومقامكم في القبور، قاله عكرمة .
والثالث: "متقلبكم" بالنهار و "مثواكم" أي: مأواكم بالليل، قاله مقاتل .
قوله تعالى: ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة قال المفسرون: سألوا ربهم أن ينزل سورة فيها ثواب القتال في سبيل الله، اشتياقا منهم إلى الوحي وحرصا على الجهاد، فقالوا: "لولا" أي: هلا; وكان يقول: "لا" هاهنا صلة، فالمعنى: لو أنزلت سورة، شوقا منهم إلى الزيادة في العلم، ورغبة في الثواب والأجر بالاستكثار من الفرائض . أبو مالك الأشجعي
وفي معنى "محكمة" ثلاثة أقوال . أحدها: أنها التي يذكر فيها القتال، قاله . والثاني: أنها التي يذكر فيها الحلال والحرام . والثالث: التي لا منسوخ فيها، حكاهما قتادة أبو سليمان الدمشقي .
ومعنى قوله: وذكر فيها القتال أي: فرض فيها الجهاد .
وفي المراد بالمرض قولان . أحدهما: النفاق، قاله ابن عباس، والحسن، والجمهور . والثاني: الشك، قاله ومجاهد، مقاتل .
[ ص: 406 ] قوله تعالى: ينظرون إليك أي يشخصون نحوك بأبصارهم ينظرون نظرا شديدا كما ينظر الشاخص ببصره عند الموت، لأنهم يكرهون القتال، ويخافون إن قعدوا أن يتبين نفاقهم .
فأولى لهم قال معنى قولهم في التهديد: "أولى لك" أي: وليك وقاربك ما تكره . وقال الأصمعي: : هذا وعيد وتهديد، تقول للرجل -إذا أردت به سوءا، ففاتك- أولى لك، ثم ابتدأ، فقال: ابن قتيبة طاعة وقول معروف . . . وقال سيبويه المعنى: طاعة وقول معروف أمثل . وقال والخليل: الطاعة معروفة في كلام الفراء: العرب، إذا قيل لهم: افعلوا كذلك، قالوا: سمع وطاعة، فوصف [الله] قولهم قبل أن تنزل السورة أنهم يقولون: سمع وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوا . وأخبرني حبان عن عن الكلبي أبي صالح عن قال: قال الله تعالى: ابن عباس فأولى ، ثم قال: لهم أي: للذين آمنوا منهم طاعة ، فصارت "أولى" وعيدا لمن كرهها، واستأنف الطاعة بـ "لهم"; والأول عندنا كلام العرب، وهذا غير مردود، يعني حديث أبي صالح . وذكر بعض المفسرين أن الكلام متصل بما قبله; والمعنى: فأولى لهم أن يطيعوا وأن يقولوا معروفا بالإجابة .
قوله تعالى: فإذا عزم الأمر قال جد الأمر . وقال غيره: جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الجهاد، ولزم فرض القتال، وصار الأمر معروفا عليه . وجواب "إذا" محذوف، تقديره: فإذا عزم الأمر نكلوا; يدل على المحذوف الحسن: فلو صدقوا الله أي: في إيمانهم وجهادهم لكان خيرا لهم من المعصية والكراهة .