كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر .
[ ص: 92 ] قوله تعالى: كذبت قبلهم أي: قبل أهل مكة "قوم نوح فكذبوا عبدنا" نوحا "وقالوا مجنون وازدجر" قال افتعل من زجر . أبو عبيدة:
قال المفسرون: زجروه عن مقالته "فدعا" عليهم نوح "ربه" بـ "أني مغلوب فانتصر" أي: فانتقم لي ممن كذبني .
قال وقرأ الزجاج: "إني" بكسر الألف، وفسرها عيسى بن عمر النحوي: فقال: هذا على إرادة القول، فالمعنى: قال: إني مغلوب; ومن فتح، وهو الوجه، فالمعنى: دعا ربه" بـ"أني مغلوب . سيبويه
قوله تعالى: ففتحنا أبواب السماء قرأ "ففتحنا" بالتشديد . فأما المنهمر، فقال ابن عامر هو الكثير السريع الانصباب، ومنه يقال: همر الرجل: إذا أكثر من الكلام وأسرع . وروى ابن قتيبة: علي رضي الله عنه أن أبواب السماء فتحت بالماء من المجرة، وهي شرج السماء . وعلى ما ذكرنا من القصة في "هود: 44" أن المطر جاءهم، يكون هو المراد بقوله: "ففتحنا أبواب السماء" قال المفسرون: جاءهم الماء من فوقهم أربعين يوما، وفجرت الأرض من تحتهم عيونا أربعين يوما .
"فالتقى الماء" وقرأ ، أبي بن كعب ، وأبو رجاء وعاصم الجحدري: "الماءان" بهمزة وألف ونون مكسورة . وقرأ "المايان" بياء وألف ونون مكسورة من غير همز . وقرأ ابن مسعود: الحسن، وأبو عمران: "الماوان" بواو وألف وكسر النون . قال يعني بالماء: ماء السماء وماء الأرض، ويجوز الماءان، لأن اسم الماء اسم يجمع ماء الأرض وماء السماء . الزجاج:
قوله تعالى: على أمر قد قدر فيه قولان .
أحدهما: كان قدر ماء السماء كقدر ماء الأرض، قاله مقاتل .
[ ص: 93 ] والثاني: قد قدر في اللوح المحفوظ، قاله فيكون المعنى: على أمر قد قضي عليهم، وهو الغرق . قوله تعالى: الزجاج . وحملناه يعني نوحا "على ذات ألواح ودسر" قال أي: على سفينة ذات ألواح . قال المفسرون: ألواحها: خشباتها العريضة التي منها جمعت . وفي الدسر أربعة أقوال . الزجاج .
أحدها: أنها المسامير، رواه عن الوالبي وبه قال ابن عباس، قتادة، والقرظي، وقال وابن زيد . الدسر: المسامير والشرط التي تشد بها الألواح، وكل شيء نحو السمر أو إدخال شيء في شيء بقوة وشدة قهر فهو دسر، يقال: دسرت المسمار أدسره وأدسره . والدسر: واحدها دسار، نحو حمار، وحمر . الزجاج:
والثاني: أنه صدر السفينة، سمي بذلك لأنه يدسر الماء، أي: يدفعه، رواه عن العوفي وبه قال ابن عباس الحسن وعكرمة; ومنه الحديث في العنبر أنه شيء دسره البحر، أي: دفعه .
والثالث: أن الدسر: أضلاع السفينة، قاله مجاهد .
والرابع: أن الدسر: طرفاها وأصلها، والألواح: جانباها، قاله الضحاك .
قوله تعالى: تجري بأعيننا أي: بمنظر ومرأى منا "جزاء" قال فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثوابا لمن كفر به . الفراء:
وفي المراد بـ "من" ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه الله عز وجل، وهو مذهب فيكون المعنى: عوقبوا لله ولكفرهم به . مجاهد،
[ ص: 94 ] والثاني: أنه نوح كفر به وجحد أمره، قاله الفراء .
والثالث: أن "من"; بمعنى "ما"; فالمعنى: جزاء لما كان كفر من نعم الله عند الذين أغرقهم، حكاه وقرأ ابن جرير . "لمن كان كفر" بفتح الكاف والفاء . قتادة:
قوله تعالى: ولقد تركناها في المشار إليها قولان .
أحدهما: أنها السفينة، قال أبقاها الله على الجودي حتى أدركها أوائل هذه الأمة . قتادة:
والثاني: أنها الفعلة، فالمعنى: تركنا هذه الفعلة وأمر سفينة نوح آية، أي: علامة ليعتبر بها، "فهل من مدكر" وأصله مدتكر، فأبدلت التاء دالا على ما بينا في قوله: "وادكر بعد أمة" [يوسف: 45] . قال أصله: مذتكر فأدغمت التاء في الذال، ثم قلبت دالا مشددة قال المفسرون والمعنى: هل من متذكر يعتبر بذلك؟ "فكيف كان عذابي ونذر" وفي هذه السورة "ونذر" ستة مواضع، أثبت الياء فيهن في الحالين ابن قتيبة: يعقوب، تابعه في الوصل ورش، والباقون بحذفها في الحالين . وقوله فكيف كان عذابي" استفهام عن تلك الحالة، ومعناه التعظيم لذلك العذاب . قال والنذر ها هنا جمع نذير، وهو بمعنى الإنذار، ومثله النكير بمعنى الإنكار . قال المفسرون: وهذا تخويف لمشركي ابن قتيبة: مكة .
"ولقد يسرنا القرآن" أي: سهلناه "للذكر" أي: للحفظ والقراءة "فهل من مدكر" أي: من ذاكر يذكره ويقرؤه; والمعنى: هو الحث على [ ص: 95 ] قراءته وتعلمه قال : ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن . وأما الريح الصرصر، فقد ذكرناها في "حم السجدة: 160" . سعيد بن جبير
قوله تعالى: في يوم نحس مستمر قرأ "في يوم" بالتنوين، على أن اليوم منعوت بالنحس . والمستمر: الدائم الشؤم، استمر عليهم بنحوسه . وقال الحسن: كانوا يتشاءمون بذلك اليوم . وقيل: إنه كان يوم أربعاء في آخر الشهر . ابن عباس:
"تنزع الناس" أي: تقلعهم من الأرض من تحت أقدامهم فتصرعهم على رقابهم فتدق رقابهم فتبين الرأس عن الجسد، فـ "كأنهم أعجاز نخل" وقرأ ، أبي بن كعب وابن السميفع: "أعجز نخل" برفع الجيم . من غير ألف بعد الجيم وقرأ ابن مسعود، وأبو مجلز، وأبو عمران: "كأنهم عجز نخل" بضم العين والجيم . ومعنى الكلام: كأنهم أصول نخل منقعر" أي: منقلع . وقال المنقعر: المنصرع من النخل . قال الفراء: يقال: قعرته فانقعر، أي: قلعته فسقط . قال ابن قتيبة: والنخل يذكر ويؤنث، فهذه الآية على لغة من ذكر، وقوله: أبو عبيدة: "أعجاز نخل خاوية" [الحاقة: 8] على [ ص: 96 ] لغة من أنث . وقال شبههم حين وقعوا من شدة العذاب بالنخل الساقطة التي لا رؤوس لها، وإنما شبههم بالنخل لطولهم، وكان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعا . مقاتل: