أحدهما: مكة جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاصمون في القدر، فنزلت هذه الآية إلى قوله: "خلقناه بقدر" انفرد بإخراجه أن مشركي من حديث مسلم وروى أبي هريرة أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذه الآية نزلت في القدرية" .
والثاني: أن أسقف نجران جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد تزعم أن المعاصي بقدر، وليس كذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم خصماء الله"، فنزلت: "إن المجرمين" إلى قوله "بقدر"، قاله عطاء .
قوله تعالى: وسعر فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: الجنون . والثاني: العناء، وقد ذكرناهما في صدر السورة .
والثالث: أنه نار تستعر عليهم، قاله الضحاك .
فأما "سقر" فقال هي اسم من أسماء جهنم لا ينصرف لأنها معرفة، وهي مؤنثة . وقرأت على شيخنا الزجاج: أبي منصور قال: سقر: اسم لنار الآخرة أعجمي، ويقال: بل هو عربي من قولهم سقرته الشمس: إذا أذابته، سميت بذلك لأنها تذيب الأجسام . وروى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عمر بن الخطاب القدرية، فيؤمر بهم إلى النار، يقول الله تعالى: "ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر"، وإنما قيل لهم: "خصماء الله" لأنهم يخاصمون في أنه لا يجوز أن يقدر المعصية على العبد ثم يعذبه عليها . وروى "إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أمر مناديا [ ص: 102 ] فنادى نداء يسمعه الأولون والآخرون: أين خصماء الله؟ فتقوم عن هشام بن حسان قال: والله لو أن قدريا صام حتى يصير كالحبل، ثم صلى حتى يصير كالوتر، ثم أخذ ظلما وزورا حتى ذبح بين الركن والمقام لكبه الله على وجهه في سقر "إنا كل شيء خلقناه بقدر" . [وروى الحسن في أفراده من حديث مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن عمر وقال "كل شيء بقدر حتى العجز والكيس" . كل شيء بقدر حتى وضع يدك على خدك . وقال ابن عباس: معنى "بقدر" أي: كل شيء خلقناه بقدر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل وقوعه، ونصب "كل شيء" بفعل مضمر; المعنى: إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر] . الزجاج:
قوله تعالى: وما أمرنا إلا واحدة قال أي: إلا مرة واحدة، وكذلك قال الفراء: مرة واحدة لا مثنوية لها . وروى مقاتل: عن عطاء قال: يريد: إن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر . وقال ابن عباس المعنى: وما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلا كلمح البصر . ومعنى اللمح بالبصر: النظر بسرعة . ابن السائب:
ولقد أهلكنا أشياعكم أي: أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم الماضية فهل من مدكر أي: متعظ وكل شيء فعلوه يعني الأمم . [ ص: 103 ] وفي "الزبر" قولان .
أحدهما: أنه كتب الحفظة . والثاني: اللوح المحفوظ .
وكل صغير وكبير أي: من الأعمال المتقدمة "مستطر" أي: مكتوب، قال هو مفتعل من "سطرت": إذا كتبت وهو مثل "مسطور" . ابن قتيبة:
قوله تعالى: في جنات ونهر قال المعنى: في جنات وأنهار، والاسم الواحد يدل على الجميع . فيجتزأ به من الجميع أنشد الزجاج: سيبويه والخليل:
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
يريد: وأما جلودها، ومثله:
في حلقكم عظم وقد شجينا
ومثله:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا
وحكى عن ابن قتيبة أنه وحد لأنه رأس آية، فقابل بالتوحيد رؤوس الآي، قال: ويقال: النهر: الضياء والسعة، من قولك: أنهرت الطعنة: إذا وسعتها، قال الفراء قيس بن الخطيم يصف طعنة:
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها
[ ص: 104 ] أي: أوسعت فتقها . قلت: وهذا قول وقرأ الضحاك . "ونهر" . الأعمش
قوله تعالى في مقعد صدق أي: مجلس حسن; وقد نبهنا على هذا المعنى في قوله: أن لهم قدم صدق [يونس: 2] . فأما المليك، فقال المليك هو المالك، وبناء فعيل للمبالغة في الوصف، ويكون المليك بمعنى الملك، ومنه هذه الآية . والمقتدر مشروح في [الكهف: 45] . الخطابي: