قوله تعالى: خلق الإنسان يعني آدم "من صلصال" قد ذكرنا في [الحجر: 26،27] الصلصال والجان . فأما قوله: "كالفخار" فقال خلق من طين يابس لم يطبخ، فله صوت إذا نقر، فهو من يبسه كالفخار . والفخار: ما طبخ بالنار . أبو عبيدة:
فأما المارج، فقال هو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت . وقال ابن عباس . هو المختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت . وقال مجاهد: هو لهب النار الصافي من غير دخان . وقال مقاتل: المارج: خلط من النار . وقال أبو عبيدة: المارج: لهب النار، من قولك: قد مرج الشيء: إذا اضطرب ولم يستقر . وقال ابن قتيبة: هو اللهب المختلط بسواد النار . الزجاج:
فإن قيل: قد أخبر الله تعالى عن خلق آدم عليه السلام بألفاظ مختلفة، فتارة يقول: "خلقه من تراب" [آل عمران: 59]، وتارة: "من صلصال" وتارة: "من طين لازب" [الصافات: 11]، وتارة: "كالفخار" [الرحمن: 14]، وتارة: "من حمإ مسنون" [الحجر: 29]; فالجواب: [أن الأصل التراب فجعل طينا، ثم صار كالحمإ المسنون، ثم صار صلصالا كالفخار، هذه أخبار عن حالات أصله . فإن قيل: ما الفائدة في تكرار قوله: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " الجواب] أن ذلك التكرير لتقرير النعم وتأكيد التذكير بها . قال من مذاهب ابن قتيبة: العرب التكرار للتوكيد [ ص: 111 ] والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار [للتخفيف والإيجاز، لأن افتنان المتكلم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره] في المقام على فن واحد، يقول القائل منهم: والله لا أفعله، ثم والله لا أفعله، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع من أن يفعله، كما يقول: والله أفعله بإضمار "لا" إذا أراد الاختصار، ويقول القائل المستعجل: اعجل اعجل، وللرامي: ارم ارم، قال الشاعر:
كم نعمة كانت له وكم وكم
وقال الآخر:
هلا سألت جموع كن دة يوم ولوا أين أينا
وربما جاءت الصفة فأرادوا توكيدها، واستوحشوا من إعادتها ثانية لأنها كلمة واحدة، فغيروا منها حرفا ثم أتبعوها الأولى، كقولهم: عطشان نطشان، وشيطان ليطان، وحسن بسن . قال ابن دريد: ومن الإتباع: جائع نائع، ومليح قريح، وقبيح شقيح، وشحيح نحيح، وخبيث نبيث، وكثير بثير: وسيغ ليغ، وسائغ لائغ، وحقير نقير، وضئيل بئيل، وخضر مضر، وعفريت نفريت، وثقة نقة، وكن إن، وواحد فاحد، وحائر بائر، وسمح لمح . قال فلما عدد الله تعالى في هذه السورة نعماءه . [ ص: 112 ] وأذكر عباده آلاءه ونبههم على قدرته، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نعمتين، ليفهمهم النعم ويقررهم بها، كقولك للرجل: ألم أبوئك منزلا وكنت طريدا؟ أفتنكر هذا ؟ ألم أحج بك وأنت صرورة؟ أفتنكر هذا؟ . ابن قتيبة:
وروى في "صحيحه" من حديث الحاكم أبو عبد الله قال: جابر بن عبد الله قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها [ثم] قال: "مالي أراكم سكوتا؟! للجن كانوا أحسن منكم ردا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة "فبأي آلاء ربكما تكذبان" إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد .
قوله تعالى رب المشرقين قرأ أبو رجاء، "رب المشرقين ورب المغربين" بالخفض، وهما مشرق الصيف ومشرق الشتاء ومغرب الصيف ومغرب الشتاء للشمس والقمر جميعا . وابن أبي عبلة:
قوله تعالى: مرج البحرين أي: أرسل العذب والملح وخلاهما وجعلهما "يلتقيان" بينهما برزخ أي: حاجز من قدرة الله تعالى يبغيان أي: لا يختلطان فيبغي أحدهما على الآخر . وقال بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام . قال ابن عباس: الحسن: "مرج البحرين" يعني [بحر] فارس والروم، بينهما برزخ، يعني الجزائر; وقد سبق بيان هذا في [الفرقان: 53] . [ ص: 113 ] قوله تعالى: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان قال إنما يخرج من البحر الملح، وإنما جمعهما، لأنه إذا خرج من أحدهما فقد أخرج منهما، ومثله الزجاج: وجعل القمر فيهن نورا [نوح: 16] . قال أراد: يخرج من أحدهما، فحذف المضاف . وقال أبو علي الفارسي: إنما قال "منهما" لأنه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء . ابن جرير:
فأما اللؤلؤ والمرجان، ففيهما قولان .
أحدهما: أن المرجان: ما صغر من اللؤلؤ، واللؤلؤ: العظام، قاله الأكثرون، منهم ابن عباس، وقتادة، والضحاك، وقال والفراء . اللؤلؤ: اسم جامع للحب الذي يخرج من البحر، والمرجان: صغاره . الزجاج:
والثاني: أن اللؤلؤ: الصغار، والمرجان: الكبار، قاله مجاهد، والسدي، قال ومقاتل . إذا أمطرت السماء، فتحت الأصداف أفواهها، فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ; قال ابن عباس: حيث وقعت قطرة كانت لؤلؤة . وقرأت على شيخنا ابن جرير: أبي منصور اللغوي قال: ذكر بعض أهل اللغة أن المرجان أعجمي معرب . قال أبو بكر، يعني ابن دريد: ولم أسمع فيه بفعل منصرف، وأحر به أن يكون كذلك . قال المرجان: الخرز الأحمر . وقال ابن مسعود: [المرجان] أبيض شديد البياض . وحكى الزجاج: أن المرجان: ضرب من اللؤلؤ كالقضبان . القاضي أبو يعلى
قوله تعالى: وله الجوار يعني السفن "المنشآت" قال هو ما قد رفع قلعه من السفن دون ما لم يرفع قلعه . قال مجاهد: هن اللواتي أنشئن، أي: ابتدئ بهن في "البحر" وقرأ ابن قتيبة: "المنشئات"، فجعلهن [ ص: 114 ] اللواتي ابتدأن، يقال: أنشأت السحابة تمطر: إذا ابتدأت، وأنشأ الشاعر يقول، والأعلام: الجبال، وقد سبق هذا [الشورى: 32] . حمزة: