أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين فسبح باسم ربك العظيم
"أفرأيتم ما تحرثون" أي: ما تعملون في الأرض من إثارتها، وإلقاء [ ص: 148 ] البذور فيها، "أأنتم تزرعونه" أي: تنبتونه؟! وقد نبه هذا الكلام على أشياء منها إحياء الموتى، ومنها الامتنان بإخراج القوت، ومنها القدرة العظيمة الدالة على التوحيد .
قوله تعالى: لجعلناه يعني الزرع "حطاما" قال تبنا لا قمح فيه . وقال عطاء: أبطلناه حتى يكون محتطما لا حنطة فيه ولا شيء . الزجاج:
قوله تعالى: فظلتم وقرأ الشعبي، وأبو العالية، "فظلتم" بكسر الظاء; وقد بيناه في قوله: وابن أبي عبلة: ظلت عليه عاكفا [طه: 97] .
قوله تعالى: تفكهون وقرأ ، أبي بن كعب وابن السميفع، والقاسم بن محمد، "تفكنون" بالنون . وفي المعنى أربعة أقوال . وعروة:
أحدها: تعجبون، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، قال ومقاتل . تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم . الفراء:
والثاني: تندمون، قاله الحسن، وعن والزجاج . كالقولين . قال قتادة يقال: "تفكهون": تندمون، ومثلها: تفكنون، وهي لغة ابن قتيبة: لعكل .
والثالث: تتلاومون، قاله عكرمة .
والرابع: تتفجعون، قاله ابن زيد .
قوله تعالى: إنا لمغرمون قال أي: تقولون قد غرمنا وذهب زرعنا . وقال الزجاج: "لمغرمون" أي: لمعذبون . ابن قتيبة:
[ ص: 149 ] قوله تعالى: بل نحن محرومون أي: حرمنا ما كنا نطلبه من الريع في الزرع . وقد نبه بهذا على أمرين .
أحدهما: إنعامه عليهم إذ لم يجعل زرعهم حطاما .
والثاني: قدرته على إهلاكهم كما قدر على إهلاك الزرع . فأما المزن، فهي السحاب، واحدتها: مزنة .
وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: تورون قال تستخرجون، من أوريت، وأكثر ما يقال: وريت . وقال أبو عبيدة: التي تستخرجون من الزنود . قال ابن قتيبة: "تورون" أي: تقدحون، تقول: أوريت النار: إذا قدحتها . الزجاج:
قوله تعالى: أأنتم أنشأتم شجرتها في المراد بشجرتها ثلاثة أقوال .
أحدها: أنها الحديد، رواه عن أبو صالح ابن عباس .
والثاني: أنها الشجرة التي تتخذ منها الزنود، وهو خشب يحك بعضه ببعض فتخرج منه النار، هذا قول ابن قتيبة، والزجاج .
والثالث: أن شجرتها: أصلها، ذكره الماوردي .
قوله تعالى: نحن جعلناها تذكرة قال المفسرون: إذا رآها الرائي ذكر نار جهنم، وما يخاف من عذابها، فاستجار بالله منها "ومتاعا" أي: منفعة "للمقوين" وفيهم أربعة أقوال .
أحدها: أنهم المسافرون، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك .
قال سموا بذلك لنزلهم القوى، وهو القفر . وقال بعض العلماء: المسافرون أكثر حاجة إليها من المقيمين، لأنهم إذا أوقدوها هربت منهم السباع واهتدى به الضال . [ ص: 150 ] والثاني: أنهم المسافرون والحاضرون، قاله ابن قتيبة: مجاهد .
والثالث: أنهم الجائعون، قال ابن زيد: المقوي: الجائع في كلام العرب .
والرابع: أنهم الذين لا زاد معهم ولا مرد لهم، قاله أبو عبيدة .
قوله تعالى: فسبح باسم ربك العظيم قال لما ذكر ما يدل على توحيده، وقدرته، وإنعامه، قال: "فسبح" أي: برئ الله ونزهه عما يقولون في وصفه . وقال الزجاج: معناه: فصل باسم ربك، أي: استفتح الصلاة بالتكبير . وقال الضحاك: سبح بذكر ربك وتسميته . وقيل: الباء زائدة . والاسم يكون بمعنى الذات، والمعنى: فسبح ربك . ابن جرير: