وفيها قولان .
أحدهما: أنها مكية، قاله الأكثرون، منهم ابن عباس، والحسن، وعطاء، وعكرمة، وقتادة، وجابر، وحكي عن ومقاتل . أن فيها آية مدنية وهي قوله: ابن عباس وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون [الواقعة: 83]
والثاني: أنها مدنية، رواه عطية عن ابن عباس .
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم
قوله تعالى: إذا وقعت الواقعة قال لما قال المشركون: متى هذا الوعد، متى هذا الفتح؟! نزل قوله: أبو سليمان الدمشقي: إذا وقعت الواقعة . فالمعنى يكون إذا وقعت الواقعة قال المفسرون: والواقعة: القيامة، وكل آت يتوقع، يقال له إذا كان: قد وقع، والمراد بها ها هنا: النفخة في الصور لقيام الساعة .
[ ص: 131 ] ليس لوقعتها أي: لظهورها ومجيئها "كاذبة" أي: كذب،كقوله: لا تسمع فيها لاغية [الغاشية: 11] أي: لغوا . قال و"كاذبة" مصدر، كقولك: عافاه الله عافية، وكذب كاذبة، فهذه أسماء في موضع المصدر . وفي معنى الكلام قولان . الزجاج:
أحدهما: لا رجعة لها ولا ارتداد، قاله والثاني: ليس الإخبار عن وقوعها كذبا، حكاه قتادة . الماوردي .
قوله تعالى: خافضة أي: هي خافضة "رافعة" وقرأ أبو رزين ، وأبو عبد الرحمن، وأبو العالية، والحسن، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة، في اختياره: "خافضة رافعة" بالنصب فيهما . وفي معنى الكلام قولان . واليزيدي
أحدهما: أنها خفضت فأسمعت القريب، ورفعت فأسمعت البعيد، رواه عن العوفي وهذا يدل على أن المراد بالواقعة: صيحة القيامة . ابن عباس .
والثاني: أنها خفضت ناسا، ورفعت آخرين، رواه عن عكرمة قال المفسرون: تخفض أقواما إلى أسفل السافلين في النار، وترفع أقواما إلى عليين في الجنة . ابن عباس .
قوله تعالى: إذا رجت الأرض رجا أي: حركت حركة شديدة وزلزلت، وذلك أنها ترتج حتى ينهدم ما عليها من بناء، ويتفتت ما عليها من جبل . وفي ارتجاجها قولان .
أحدهما: أنه لإماتة من عليها من الأحياء . والثاني لإخراج من في بطنها من الموتى .
قوله تعالى وبست الجبال بسا فيه قولان .
[ ص: 132 ] أحدهما: فتتت فتا، رواه ابن أبي طلحة عن وبه قال ابن عباس، قال مجاهد . فتتت حتى صارت كالدقيق والسويق المبسوس . ابن قتيبة:
والثاني: لتت، قاله وقال قتادة . خلطت ولتت . قال الشاعر: الزجاج:
لا تخبزوا خبزا وبسا بسا
وفي "الهباء" أقوال قد ذكرناها في [الفرقان: 23] . وذكر أن الهباء المنبث: ما سطع من سنابك الخيل، وهو من "الهبوة"، والهبوة: الغبار . والمعنى: كانت ترابا منتشرا . ابن قتيبة
قوله تعالى: وكنتم أزواجا أي: أصنافا "ثلاثة" .
"فأصحاب الميمنة " فيهم ثمانية أقوال .
أحدها: [أنهم] الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت ذريته من صلبه، قاله ابن عباس .
والثاني: أنهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، قاله الضحاك، والقرظي .
والثالث: أنهم الذين كانوا ميامين على أنفسهم، أي: مباركين، قاله الحسن، والربيع .
والرابع: أنهم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن، قاله زيد بن أسلم .
والخامس: أنهم الذين منزلتهم عن اليمين، قاله ميمون بن مهران .
والسادس: أنهم أهل الجنة، قاله السدي .
والسابع: أنهم أصحاب المنزلة الرفيعة، قاله الزجاج .
[ ص: 133 ] والثامن: أنهم الذين يؤخذ [بهم] ذات اليمين إلى الجنة، ذكره علي بن أحمد النيسابوري .
قوله تعالى: ما أصحاب الميمنة قال عجب نبيه صلى الله عليه وسلم منهم; والمعنى: أي شيء هم؟! قال الفراء: وهذا اللفظ في العربية مجراه مجرى التعجب، ومجراه من الله عز وجل في مخاطبة العباد ما يعظم به الشأن عندهم، ومثله: الزجاج: ما الحاقة [الحاقة: 2]، ما القارعة [القارعة: 2]; قال ومثله أن يقول: ابن قتيبة: زيد ما زيد! أي: أي رجل هو! وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة [أي: أصحاب] الشمال، والعرب تسمي اليد اليسرى: الشؤمى، والجانب الأيسر: الأشأم، ومنه قيل: اليمن والشؤم، فاليمن: كأنه [ما] جاء عن اليمين، والشؤم [ما جاء] عن الشمال، ومنه سميت "اليمن" و "الشأم" لأنها عن يمين الكعبة وشمالها . قال المفسرون: أصحاب الميمنة: هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين، ويعطون كتبهم بأيمانهم; وتفسير أصحاب المشأمة على ضد تفسير أصحاب الميمنة سواء; والمعنى: أي قوم هم؟! ماذا أعد لهم من العذاب؟!
قوله تعالى والسابقون السابقون فيهم خمسة أقوال .
أحدها: أنهم السابقون إلى الإيمان من كل أمة، قاله الحسن، والثاني: أنهم الذين صلوا [إلى] القبلتين، قاله وقتادة . والثالث: أهل القرآن، قاله ابن سيرين . والرابع: الأنبياء، قاله كعب . والخامس: السابقون إلى المساجد وإلى الخروج في سبيل الله، قاله محمد بن كعب . عثمان بن أبي سودة .
وفي إعادة ذكرهم قولان .
[ ص: 134 ] أحدهما: أن ذلك للتوكيد .
والثاني: أن المعنى: السابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله، ذكرهما الزجاج .
قوله تعالى: أولئك المقربون قال يعني عند الله في ظل عرشه وجواره . أبو سليمان الدمشقي: