قوله تعالى: فلولا أي: فهلا "إذا بلغت الحلقوم" يعني: النفس، فترك ذكرها لدلالة الكلام، وأنشدوا من ذلك:
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
قوله تعالى: وأنتم يعني أهل الميت "تنظرون" إلى سلطان الله وأمره . والثاني: تنظرون إلى الإنسان في تلك الحالة، ولا تملكون له شيئا "ونحن أقرب إليه منكم" فيه قولان .
أحدهما: ملك الموت أدنى إليه من أهله "ولكن لا تبصرون" الملائكة، رواه عن أبو صالح ابن عباس .
والثاني: ونحن أقرب إليه منكم بالعلم والقدرة والرؤية ولكن لا تبصرون أي: لا تعلمون، والخطاب للكفار، ذكره الواحدي .
قوله تعالى: غير مدينين فيه خمسة أقوال .
أحدها: محاسبين، رواه عن الضحاك وبه قال ابن عباس، الحسن، وابن جبير، وعطاء، والثاني: موقنين، قاله وعكرمة . والثالث: [ ص: 156 ] مبعوثين، قاله مجاهد . والرابع: مجزيين . ومنه يقال: دنته، وكما تدين تدان، قاله قتادة . والخامس: مملوكين أذلاء من قولك: دنت له بالطاعة، قاله أبو عبيدة . ابن قتيبة .
قوله تعالى: ترجعونها أي: تردون النفس . والمعنى: إن جحدتم الإله الذي يحاسبكم ويجازيكم، فهلا تردون هذه النفس؟! فإذا لم يمكنكم ذلك، فاعلموا أن الأمر لغيركم .
قال وقوله تعالى: الفراء: ترجعونها هو جواب لقوله تعالى: فلولا إذا بلغت الحلقوم ولقوله تعالى: فلولا إن كنتم غير مدينين فإنهما أجيبتا بجواب واحد . ومثله قوله تعالى: فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم [البقرة: 38] ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت فقال تعالى: فأما إن كان يعني: الذي بلغت نفسه الحلقوم من "المقربين" عند الله . قال هم السابقون أبو العالية: "فروح" أي: فله روح . والجمهور يفتحون الراء . وفي معناها ستة أقوال .
أحدها: الفرح، رواه عن سعيد بن جبير والثاني: الراحة، رواه ابن عباس . عن أبو طلحة والثالث: المغفرة والرحمة، رواه ابن عباس . عن العوفي والرابع: الجنة، قاله ابن عباس . والخامس: روح من الغم الذي كانوا فيه، قاله مجاهد . والسادس: روح في القبر، أي: طيب نسيم، قاله محمد بن كعب . وقرأ ابن قتيبة . أبو بكر الصديق، وأبو رزين، والحسن، [ ص: 157 ] وعكرمة، وابن يعمر، وقتادة، ورويس عن يعقوب، وابن أبي سريج عن "فروح" برفع الراء . وفي معنى هذه القراءة قولان . الكسائي:
أحدهما: أن معناها: فرحمة، قاله قتادة .
والثاني: فحياة وبقاء، قاله وقال ابن قتيبة . معناه: فحياة دائمة لا موت معها . وفي "الريحان" أربعة أقوال . الزجاج:
أحدها: أنه الرزق، رواه عن سعيد بن جبير ابن عباس .
والثاني: أنه المستراح، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .
والثالث: أنه الجنة، قاله مجاهد، وقتادة .
والرابع: أنه الريحان المشموم . وقال لا يخرج أحد من [ ص: 158 ] المقربين من الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة، فيشمه، ثم تقبض فيه روحه، وإلى نحو هذا ذهب أبو العالية: وقال الحسن . بلغنا أن المؤمن إذا قبض روحه تلقى بضبائر الريحان من الجنة، فتجعل روحه فيه . أبو عمران الجوني:
قوله تعالى: فسلام لك من أصحاب اليمين فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: فسلامة لك من العذاب، قاله عن أبو صالح ابن عباس .
والثاني: تسلم عليه الملائكة، وتخبره أنه من أصحاب اليمين، قاله والثالث: أن المعنى: أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة . وقد علمت ما أعد لهم من الجزاء، قاله عطاء . الزجاج .
قوله تعالى: وأما إن كان من المكذبين أي: بالبعث "الضالين" عن الهدى "فنزل" وقد بيناه في هذه السورة [الواقعة: 56] .
قوله تعالى: إن هذا يعني: ما ذكر في هذه السورة لهو حق اليقين أي: هو اليقين حقا، فأضافه إلى نفسه، كقولك: صلاة الأولى، وصلاة العصر، ومثله: ولدار الآخرة [يوسف: 109] وقد سبق هذا المعنى وقال قوم: معناه: وإنه للمتقين حقا . وقيل للحق: اليقين .
[ ص: 159 ] قوله تعالى: فسبح باسم ربك قد ذكرناه في هذه السورة [الواقعة: 74] .