أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون .
قوله تعالى: أياما معدودات قال نصب "أياما" على الظرف ، كأنه قال: كتب عليكم الصيام في هذه الأيام . والعامل فيه "الصيام" كأن المعنى: كتب عليكم أن تصوموا أياما معدودات . وفي هذه الأيام ثلاثة أقوال . أحدها: أنها ثلاثة أيام من كل شهر . والثاني: أنها ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء . والثالث: أنها شهر رمضان ، وهو الأصح . وتكون الآية محكمة في هذا القول ، وفي القولين قبله تكون منسوخة الزجاج: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام فيه إضمار: فأفطر .
فصل
وليس المرض والسفر على الإطلاق ، فإن لم يجز له الإفطار ، وإنما الرحمة موقوفة على المريض إذا لم يضر به الصوم; . واتفق العلماء أن السفر مقدر ، واختلفوا في تقديره ، فقال زيادة المرض بالصوم أحمد ، ومالك ، أقله مسيرة ستة عشر فرسخا; يومان ، وقال والشافعي: أبو حنيفة وأصحابه: أقله مسيرة ثلاثة أيام ، مسيرة أربعة وعشرين فرسخا . وقال أقله مرحلة يوم ، مسيرة ثمانية فراسخ . وقيل: إن السفر مشتق من السفر الذي هو الكشف ، يقال: سفرت المرأة عن وجهها ، وأسفر الصبح: إذا أضاء ، فسمي الخروج إلى المكان البعيد: سفرا ، لأنه يكشف عن أخلاق المسافر . الأوزاعي:
[ ص: 186 ] قوله تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين نقل عن ابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وابن عمر ، وابن عباس ، وسلمة بن الأكوع ، وعلقمة ، في آخرين في هذه الآية أنهم قالوا: كان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وافتدى ، يطعم عن كل يوم مسكينا ، حتى نزلت: والزهري فمن شهد منكم الشهر فليصمه فعلى هذا يكون معنى الكلام: وعلى الذين يطيقونه ولا يصومونه فدية ، ثم نسخت . وروي عن أنه قال: نزلت في الحامل والمرضع . وقرأ عكرمة أبو بكر الصديق ، وعلى الذين يطوقونه بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الواو . قال وابن عباس: هو الشيخ والشيخة . ابن عباس:
قوله تعالى: فدية طعام مسكين قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ، وعاصم وحمزة ، "فدية" منون (طعام المسكين) موحد . وقرأ والكسائي نافع ، "فدية" بغير تنوين "طعام" بالخفض "مساكين" بالجمع . قال وابن عامر: أبو علي: معنى القراءة الأولى: على كل واحد طعام مسكين . ومثله: فاجلدوهم ثمانين [ النور: 4 ] . أي: اجلدوا كل واحد ثمانين . قال أتينا الأمير فكسانا كلنا حلة ، وأعطانا كلنا مئة ، أي: فعل ذلك بكل واحد منا . قال: فأما من أضاف الفدية إلى الطعام ، فكإضافة البعض إلى ما هو بعض له ، وذلك أنه سمى الطعام الذي يفدى به: فدية ، ثم أضاف الفدية إلى الطعام الذي يعم الفدية وغيرها ، فهو على هذا من باب: خاتم حديد . أبو زيد:
قوله تعالى: (فمن تطوع خيرا) [فيه ] ثلاثة أقوال . أحدها: أن معناه: من أطعم مسكينين ، قاله ابن عباس ، والثاني: أن التطوع إطعام مساكين ، قاله ومجاهد . والثالث: أنه زيادة المسكين على قوته ، وهو مروي عن طاوس . وفعله مجاهد ، لما كبر أنس بن مالك وأن تصوموا خير لكم عائد إلى من تقدم ذكره من الأصحاء المقيمين المخيرين بين الصوم والإطعام على ما حكينا في أول الآية عن السلف ، ولم يرجع ذلك إلى المرضى والمسافرين ، والحامل ، والمرضع ، إذ الفطر في حق هؤلاء أفضل من الصوم ، وقد نهوا عن تعريض أنفسهم للتلف ، وهذا يقوي قول القائلين بنسخ الآية .