وهي مكية كلها بإجماعهم
إلا ما حكي عن ابن عباس أن فيها من المدني قوله تعالى: وقتادة إنا بلوناهم إلى قوله تعالى: لو كانوا يعلمون .
بسم الله الرحمن الرحيم
ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم فستبصر ويبصرون بأييكم المفتون إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين
قوله تعالى: "ن" قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وحفص: "ن والقلم" النون في آخر الهجاء من نون ظاهرة عند الواو، وهذا اختيار وروى الفراء . أبو بكر عن أنه كان لا يبين النون من "نون" . وبها قرأ عاصم الكسائي، وخلف، ويعقوب، وهو اختيار وقرأ الزجاج . ابن عباس، وأبو رزين، وقتادة، "نون والقلم" بكسر النون . وقرأ والأعمش: الحسن، وأبو عمران، وأبو نهيك: "ن والقلم" برفع النون .
وفي معنى نون سبعة أقوال .
أحدها: أنها الدواة . روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ ص: 327 ] أبو هريرة وهذا قول "أول ما خلق الله القلم، ثم خلق النون، وهي الدواة" في رواية ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير، الحسن وقتادة .
والثاني: أنه آخر حروف الرحمن، رواه عن عكرمة ابن عباس .
والثالث: أنه الحوت الذي على ظهر الأرض، وهذا المعنى في رواية أبي ظبيان عن وهو مذهب ابن عباس، مجاهد، والسدي، وابن السائب، ومقاتل .
والرابع: أنه لوح من نور، قاله معاوية بن قرة .
والخامس: أنه افتتاح اسمه "نصير"، و"ناصر"، قاله عطاء .
والسادس: أنه قسم بنصرة الله للمؤمنين، قاله القرظي .
والسابع: أنه نهر في الجنة، قاله جعفر الصادق .
[ ص: 328 ] وفي "القلم" قولان .
أحدهما: أنه الذي كتب به في اللوح المحفوظ .
والثاني: أنه الذي يكتب به الناس . وإنما أقسم به، لأن كتبه إنما تكتب() و"يسطرون" بمعنى: يكتبون . وفي المشار إليهم قولان .
أحدهما: أنهم الملائكة . وفيما أرادوا بما يكتبونه قولان . أحدهما: أنه الذكر، قاله مجاهد، والثاني: أعمال بني والسدي . آدم، قاله مقاتل .
والقول الثاني: أنهم جميع الكتبة، حكاه الثعلبي "ما أنت بنعمة ربك بمجنون" أي: ما أنت بإنعام ربك عليك بالإيمان والنبوة بمجنون . قال هذا جواب قولهم: إنك لمجنون . وتأويله: فارقك الجنون بنعمة الله . الزجاج:
قوله تعالى: وإن لك بصبرك على افترائهم عليك، ونسبتهم إياك إلى الجنون "لأجرا غير ممنون" أي: غير مقطوع ولا منقوص، "وإنك لعلى خلق عظيم" فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: دين الإسلام، قاله ابن عباس .
والثاني: أدب القرآن، قاله الحسن .
والثالث: الطبع الكريم . وحقيقة "الخلق" ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب، فسمي خلقا، لأنه يصير كالخلقة في صاحبه . فأما ما طبع عليه فيسمى: "الخيم" فيكون الخيم: الطبع الغريزي، والخلق: الطبع المتكلف . هذا قول وقد الماوردي . رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ ص: 329 ] فقالت: كان خلقه القرآن . عائشة تعني: كان على ما أمره الله به في القرآن . سئلت
قوله تعالى: فستبصر ويبصرون يعني: أهل مكة . وهذا وعيد لهم بالعذاب . والمعنى: سترى ويرون إذا نزل بهم العذاب ببدر "بأيكم المفتون" وفيه أربعة أقوال .
أحدها: الضال، قاله والثاني: الشيطان، قاله الحسن . والثالث: المجنون، قاله مجاهد . والمعنى: الذي قد فتن بالجنون . والرابع: المعذب، حكاه الضحاك . الماوردي .
وفي الباء قولان .
أحدهما: أنها زائدة، قاله أبو عبيدة، وأنشدوا: وابن قتيبة .
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
[ ص: 330 ] والثاني: أنها أصلية، وهذا قول الفراء، قال والزجاج . ليس كونها لغوا بجائز في العربية في قول أحد من أهلها . الزجاج:
وفي الكلام قولان للنحويين .
أحدهما: أن المفتون ها هنا: الفتون . والمصادر تجيء على المفعول . تقول العرب ليس: هذا معقود رأي، أي: عقد رأي، وتقول: دعه إلى ميسوره، أي: يسره . والمعنى: بأيكم الجنون .
والثاني: بأيكم المفتون بالفرقة التي أنت فيها، أم بفرقة الكفار؟ فيكون المعنى: في أي الفرقتين المجنون . وقد ذكر نحو ما شرحه الفراء وقد قرأ الزجاج . ، أبي بن كعب وأبو عمران، "في أي المفتون" . ثم أخبر أنه عالم بالفريقين بما بعد هذا . وابن أبي عبلة: