بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .
وفيها قولان .
أحدهما: أنها مكية، قاله ابن مسعود، والحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر .
والثاني: مدنية، روي عن ابن عباس، وقتادة، وقد روى والضحاك . في أفراده من حديث البخاري أبي سعيد الخدري وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن . في أفراده من حديث مسلم [ ص: 265 ] أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها تعدل ثلث القرآن .
وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال .
أحدها: أن المشركين قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، فنزلت هذه السورة، قاله أبي بن كعب .
[ ص: 266 ] والثاني: أن قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إلام تدعونا يا عامر بن الطفيل محمد؟ قال: إلى الله عز وجل . قال: صفه لي، أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، فنزلت هذه السورة، قاله ابن عباس .
والثالث: أن الذين قالوا هذا، قوم من أحبار اليهود قالوا: من أي جنس هو، وممن ورث الدنيا، ولمن يورثها؟ فنزلت هذه السورة، قاله قتادة . قرأ والضحاك، ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، " أحد الله " وقرأ والكسائي: " أحد الله " بضم الدال، ووصلها باسم الله . قال أبو عمرو هو كناية عن ذكر الله عز وجل . والمعنى: الذي سألتم تبيين نسبته هو الله . و " أحد " مرفوع على معنى: هو أحد، فالمعنى: هو الله، وهو أحد . وقرئت " أحد الله الصمد " بتنوين أحد . وقرئت " أحد الله " بترك التنوين، وقرئت [ ص: 267 ] بإسكان الدال " أحد الله " وأجودها الرفع بإثبات التنوين، وكسر التنوين لسكونه وسكون اللام في " الله " ومن حذف التنوين، فلالتقاء الساكنين أيضا، ومن أسكن أراد الوقف ثم ابتدأ " الله الصمد " وهو أردؤها . الزجاج:
فأما " الأحد " فقال ابن عباس، هو الواحد . وفرق قوم بينهما . وقال وأبو عبيدة: [الواحد]: هو المنفرد بالذات، فلا يضاهيه أحد . أبو سليمان الخطابي:
والأحد: هو المنفرد بالمعنى، فلا يشاركه فيه أحد . وأصل " الأحد " عند النحويين: الوحد، ثم أبدلوا من الواو الهمزة .
وفي " الصمد " أربعة أقوال .
أحدها: أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج، رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى ابن عباس علي بن أبي طلحة عن قال: الصمد: السيد الذي قد كمل في سؤدده . قال ابن عباس هو السيد الذي ليس فوقه [ ص: 268 ] أحد . والعرب تسمي أشرافها: الصمد . قال الأسدي: أبو عبيدة:
لقد بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وقال هو الذي ينتهي إليه السؤدد، فقد صمد له كل شيء قصد قصده . وتأويل صمود كل شيء له: أن في كل شيء أثر صنعه، وقال الزجاج: لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد: السيد الذي ليس فوقه أحد يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم . ابن الأنباري:
والثاني: أنه لا جوف له، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن جبير، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، وقال والسدي . فكأن الدال من هذا التفسير مبدلة من تاء: والمصمت من هذا . ابن قتيبة:
والثالث: أنه الدائم .
والرابع: الباقي بعد فناء الخلق، حكاهما وقال: أصح الوجوه الأول، لأن الاشتقاق يشهد له، فإن أصل الصمد: القصد . يقال: اصمد صمد فلان، أي: اقصد قصده . فالصمد: السيد الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج . الخطابي
قوله تعالى: لم يلد قال لم يلد فيورث، مقاتل: ولم يولد فيشارك . [ ص: 269 ] وذلك أن مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الرحمن . وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فبرأ نفسه من ذلك .
قوله تعالى: ولم يكن له كفوا أحد قرأ الأكثرون بالتثقيل والهمز . ورواه حفص بالتثقيل وقلب الهمز واوا . وقرأ بسكون الفاء . والكفء: المثل المكافئ . وفيه تقديم وتأخير، تقديره: ولم يكن له أحد كفوا، فقدم وأخر لتتفق رؤوس الآيات . حمزة