بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد .
وفيها قولان .
أحدهما: مدنية، رواه عن أبو صالح وبه قال ابن عباس، في آخرين . قتادة
والثاني: مكية، رواه عن كريب وبه قال ابن عباس، الحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر . والأول أصح، ويدل عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر وهو مع فنزلت عليه المعوذتان . عائشة،
فذكر أهل التفسير في نزولهما: لبيد بن أعصم اليهودي . ثم دسها في بئر لبني زريق، يقال لها: بئر ذروان . ويقال: ذي أروان، [ ص: 271 ] فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتشر شعر رأسه، وكان يرى أنه يأتي النساء وما يأتيهن، ويخيل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله، فبينما هو ذات يوم نائم أتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما بال الرجل؟ قال: طب . قال: وما طب؟ قال: سحر . قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن أعصم . قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة . قال: وأين هو؟ قال في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان -والجف: قشر الطلع . والراعوفة: صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت . فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقي عليها-، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أما شعرت أن الله أخبرني بدائي، ثم بعث عائشة عليا، والزبير، فنزحوا ماء تلك البئر، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، وإذا فيه مشاطة رأسه، وأسنان مشطه، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة [مغروزة بالإبرة، فأنزل الله تعالى المعوذتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة] . ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، وجعل وعمار بن ياسر، جبريل عليه السلام يقول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن حاسد وعين، والله يشفيك . فقالوا: يا رسول الله [ ص: 272 ] أفلا نأخذ الخبيث فنقتله؟ فقال: " أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على الناس شرا . أن غلاما من اليهود كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل به اليهود حتى أخذ مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها . وكان الذي تولى ذلك
وقد أخرج البخاري في " الصحيحين " من حديث ومسلم حديث سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد بينا معنى " عائشة أعوذ " في أول كتابنا .
وفي " الفلق " ستة أقوال .
أحدها: أنه الصبح، رواه عن العوفي وبه قال ابن عباس، الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والقرظي، واللغويون قالوا: ويقال: هذا أبين من فلق الصبح وفرق الصبح . وابن زيد،
[ ص: 273 ] والثاني: أنه الخلق، رواه عن الوالبي وكذلك قال ابن عباس . الفلق: الخلق كله . الضحاك:
والثالث: سجن في جهنم، روي عن أيضا . وقال ابن عباس وهب جب في جهنم . وقال والسدي: واد في جهنم . ابن السائب:
والرابع: شجرة في النار، قاله عبد الله بن عمرو .
والخامس: أنه كل من انفلق عن شيء كالصبح، والحب، والنوى، وغير ذلك، قاله . قال الحسن وإذا تأملت الخلق بان لك أن أكثره عن انفلاق، كالأرض بالنبات، والسحاب بالمطر . الزجاج:
والسادس: أنه اسم من أسماء جهنم، قاله أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد الحبلي .
قوله تعالى: من شر ما خلق وقرأ ابن السميفع، " خلق " بضم الخاء، وكسر اللام . وفيه ثلاثة أقوال . وابن يعمر:
أحدها: أنه عام، وهو الأظهر .
والثاني: أن شر ما خلق: إبليس وذريته، قاله . الحسن
والثالث: جهنم، حكاه الماوردي .
[ ص: 274 ] وفي " الغاسق " أربعة أقوال .
أحدها: أنه القمر، روت قالت: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر، فقال: استعيذي بالله من شره فإنه الغاسق إذا وقب، عائشة رواه الترمذي، والنسائي في كتابيهما . قال ويقال: الغاسق: القمر إذا كسف فاسود . ومعنى " وقب " دخل في الكسوف . ابن قتيبة:
والثاني: أنه النجم، رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبو هريرة
والثالث: أنه الليل، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والقرظي، والفراء، وأبو عبيد، وابن قتيبة، قال اللغويون: ومعنى " والزجاج . وقب " دخل في كل شيء فأظلم . و " الغسق " الظلمة . وقال الغاسق: البارد، فقيل لليل: غاسق، لأنه أبرد من النهار . الزجاج:
والرابع: أنه الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام، والطواعين تكثر عند [ ص: 275 ] وقوعها، وترتفع عند طلوعها، قاله ابن زيد .
فأما " النفاثات " فقال هن السواحر ينفثن، أي: يتفلن إذا سحرن، ورقين . قال ابن قتيبة: يتفلن بلا ريق، كأنه نفح . وقال الزجاج: قال اللغويون: تفسير نفث: نفخ نفخا ليس معه ريق، ومعنى تفل: نفخ نفخا معه ريق . قال ابن الأنباري: ذو الرمة:
ومن جوف ماء عرمض الحول فوقه متى يحس منه مائح القوم يتفل
وقد روى ابن أبي سريج " النافثات " بألف قبل الفاء مع كسر الفاء وتخفيفها .
وقال بعض المفسرين: المراد بالنفاثات هاهنا: بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 276 ] ومن شر حاسد يعني: اليهود حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد ذكرنا حد الحسد في [البقرة: 109] . . والحسد: أخس الطبائع حسد إبليس وأول معصية عصي الله بها في السماء لآدم، وفي الأرض حسد قابيل هابيل .