ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين .
قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده) قال لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من محمد بن كعب القرظي: أحد ، قال قوم منهم: من أين أصابنا هذا ، وقد وعدنا الله النصر؟ فنزلت هذه الآية . وقال المفسرون: وعد الله تعالى المؤمنين النصر بأحد ، فنصرهم ، فلما خالفوا ، وطلبوا الغنيمة ، هزموا . وقال ما نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في موطن ما نصر في ابن عباس: أحد ، فأنكر ذلك عليه ، فقال: بيني وبينكم كتاب الله ، إن الله يقول: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه) فأما الحس ، فهو القتل ، قاله ابن عباس ، والحسن ومجاهد ، والجماعة . وقال والسدي ، تحسونهم ، أي: تستأصلونهم بالقتل ، يقال: سنة حسوس: إذا أتت على كل شيء ، وجراد محسوس: إذا قتله البرد . ابن قتيبة:
وفي قوله تعالى: (بإذنه) ثلاثة أقوال [ ص: 476 ] أحدها: بأمره ، قاله والثاني: بعلمه ، قاله ابن عباس . الزجاج .
والثالث: بقضائه ، قاله أبو سليمان الدمشقي .
قوله تعالى: حتى إذا فشلتم قال أي: جبنتم . الزجاج: (وتنازعتم) أي: اختلفتم من بعد ما أراكم ما تحبون يعني: النصرة . وقال فيه تقديم وتأخير ، معناه: حتى إذا تنازعتم في الأمر ، فشلتم وعصيتم ، وهذه الواو زائدة ، كقوله تعالى: الفراء: فلما أسلما وتله للجبين وناديناه [ الصافات: 103 ] معناه: ناديناه . فأما تنازعهم ، فإن بعض الرماة قال: قد انهزم المشركون ، فما يمنعنا من الغنيمة؟ وقال بعضهم: بل نثبت مكاننا كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فترك المركز بعضهم ، وطلب الغنيمة ، وتركوا مكانهم ، فذلك عصيانهم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصاهم: "لو رأيتم الطير تخطفنا فلا تبرحوا من مكانكم" .
قوله تعالى: (منكم من يريد الدنيا) قال المفسرون: هم الذين طلبوا الغنيمة ، وتركوا مكانهم . (ومنكم من يريد الآخرة) وهم الذين ثبتوا . وقال ما كنت أظن أحدا من أصحاب ابن مسعود: محمد يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية .
قوله تعالى: (صرفكم عنهم) أي: ردكم عن المشركين بقتلكم وهزيمتكم . (ليبتليكم) أي: ليختبركم ، فيبين الصابر من الجازع .
قوله تعالى: (ولقد عفا عنكم) فيه قولان .
أحدهما: عفا عن عقوبتكم ، قاله ابن عباس .
والثاني: عفا عن استئصالكم ، قاله وكان يقول: هؤلاء مع رسول الله في سبيل الله غضاب لله ، يقاتلون في سبيل الله ، نهوا عن شيء فضيعوه ، فما تركوا حتى غموا بهذا الغم ، والفاسق اليوم يتجرم كل كبيرة ، ويركب كل داهية ، ويزعم أن لا بأس عليه ، فسوف يعلم . الحسن .
[ ص: 477 ] قوله تعالى: (والله ذو فضل على المؤمنين) فيه قولان .
أحدهما: إذ عفا عنهم ، قاله والثاني: إذ لم يقتلوا جميعا ، قاله ابن عباس . مقاتل .