ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم .
قوله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه) في سبب نزولها خمسة أقوال .
[ ص: 510 ] أحدها: أن قريشا قالت: تزعم يا محمد أن من اتبعك ، فهو في الجنة ، ومن خالفك فهو في النار؟! فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس .
والثاني: أن المؤمنين سألوا أن يعطوا علامة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول أبي العالية .
والثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرضت على أمتي ، وأعلمت من يؤمن بي ، ومن يكفر ، فبلغ ذلك المنافقين ، فاستهزؤوا ، وقالوا: فنحن معه ولا يعرفنا ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السدي .
والرابع: أن اليهود ، قالت: يا محمد قد كنتم راضين بديننا ، فكيف بكم لو مات بعضكم قبل نزول كتابكم؟! فنزلت هذه الآية . هذا قول عمر مولى غفرة .
والخامس: أن قوما من المنافقين ادعوا أنهم في إيمانهم مثل المؤمنين ، فأظهر الله نفاقهم يوم أحد ، وأنزل هذه الآية ، هذا قول أبي سليمان الدمشقي .
وفي المخاطب بهذه الآية قولان .
أحدهما: أنهم الكفار والمنافقون ، وهو قول ابن عباس ، . والضحاك
والثاني: أنهم المؤمنون ، فيكون المعنى: ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق ، قال وهذا قول أكثر أهل المعاني . الثعلبي:
قوله تعالى: (حتى يميز الخبيث من الطيب) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن [ ص: 511 ] عامر: "حتى يميز" و"ليميز الله الخبيث" بفتح الياء والتخفيف . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، ويعقوب: "يميز" بالتشديد ، وكذلك في [ الأنفال: 37 ] (ليميز الله الخبيث) .
قال أبو علي: مزت وميزت لغتان . قال ومعنى يميز: يخلص . فأما الطيب ، فهو المؤمن . وفي الخبيث قولان . ابن قتيبة:
أحدهما: أنه المنافق ، قاله مجاهد ، وابن جريج .
والثاني: الكافر ، قاله قتادة ، وفي الذي وقع به التمييز بينهم ثلاثة أقوال . والسدي .
أحدها: أنه الهجرة والقتال ، قاله وهو قول من قال: الخبيث: الكافر . قتادة ،
والثاني: أنه الجهاد ، وهو قول من قال: هو المنافق . قال فيميز الله يوم مجاهد: أحد بين المؤمنين والمنافقين ، حيث أظهروا النفاق وتخلفوا .
والثالث: أنه جميع الفرائض والتكاليف ، فإن المؤمن مستور الحال بالإقرار ، فإذا جاءت التكاليف بان أمره . هذا قول ابن كيسان .
وفي المخاطب بقوله: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) قولان .
أحدهما: أنهم كفار قريش ، فمعناه: ما كان الله ليبين لكم المؤمن من الكافر ، لأنهم طلبوا ذلك ، فقالوا: أخبرنا بمن يؤمن ومن لا يؤمن ، هذا قول ابن عباس .
والثاني: أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فمعناه: وما كان الله ليطلع محمدا على الغيب ، قاله "ويجتبي" بمعنى يختار ، قاله السدي . وغيره . فمعنى الكلام على القول الأول: أن الله لا يطلع على الغيب أحدا إلا الأنبياء الذين اجتباهم ، وعلى القول الثاني: أن الله لا يطلع على الغيب أحدا إلا أنه يجتبي من يشاء فيطلعه على ما يشاء . الزجاج