قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما قال نزلت في ابن السائب: طعمة بن أبيرق ، وقد مضت قصته في سورة (النساء) . و "السارق": إنما سمي سارقا ، لأنه يأخذ الشيء في خفاء ، واسترق السمع: إذا تسمع مستخفيا . قال والسارق هاهنا: مرفوع بالابتداء ، لأنه ليس القصد منه واحدا بعينه ، وإنما هو ، [ ص: 349 ] كقولك: من سرق فاقطع يده . وقال المبرد: وإنما دخلت الفاء ، لأن في الكلام معنى الشرط ، تقديره: من سرق فاقطعوا يده . قال ابن الأنباري: وإنما قال: الفراء: (فاقطعوا أيديهما) لأن كل شيء موحد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا ، جمع ، تقول: قد هشمت رؤوسهما ، وملأت [ظهورهما] وبطونهما [ضربا] ومثله فقد صغت قلوبكما [التحريم: 4] وإنما اختير الجمع على التثنية ، لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين اثنين في الإنسان: اليدين ، والرجلين ، والعينين ، فلما جرى أكثره على هذا ، ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين مذهب التثنية ، وقد يجوز تثنيتهما . قال أبو ذؤيب:
فتخالسا نفسيهما بنوافذ كنوافذ العبط التي لا ترقع
[ ص: 350 ] فصل
وهذه الآية اقتضت وجوب القطع على كل سارق ، وبينت السنة أن المراد به ، كما قال تعالى: السارق لنصاب من حرز مثله فاقتلوا المشركين [التوبة: 5] ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء ، والصبيان ، وأهل الصوامع . واختلف في مقدار النصاب ، فمذهب أصحابنا: أن أحدهما: من الذهب ربع دينار ، ومن الورق ثلاثة دراهم ، أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض . للسرقة نصابين:
[ ص: 351 ] وهو قول وقال مالك . أبو حنيفة: لا يقطع حتى تبلغ السرقة عشرة دراهم . وقال الاعتبار في ذلك بربع دينار ، وغيره مقوم به ، فلو الشافعي: ، قطع ، فإن سرق درهمين قيمتهما ربع دينار ، فعليه القطع . وقال سرق نصابا من التبر أبو حنيفة: لا يقطع حتى يبلغ ذلك نصابا مضروبا ، فإن لا يقطع . وقال سرق منديلا لا يساوي نصابا ، في طرفه دينار ، وهو لا يعلم ، يقطع . فإن الشافعي: ، قطع ، خلافا سرق ستارة الكعبة لأبي حنيفة . فإن ، لم يقطع ، وإن كان على الصغير حلي . وقال سرق صبيا صغيرا حرا يقطع بكل حال . وإذا اشترك جماعة في سرقة نصاب ، قطعوا ، وبه قال مالك: إلا أنه اشترط أن يكون المسروق ثقيلا يحتاج إلى معاونة بعضهم لبعض في إخراجه . وقال مالك ، أبو حنيفة ، لا قطع [ ص: 352 ] عليه بحال ويجب القطع على جاحد العارية عندنا ، وبه قال والشافعي: سعيد بن المسيب ، خلافا لأكثر الفقهاء . والليث بن سعد ،
[ ص: 353 ] فصل
فأما الحرز ، فهو ما جعل للسكنى ، وحفظ الأموال ، كالدور والمضارب والخيم التي يسكنها الناس ، ويحفظون أمتعتهم بها ، فكل ذلك حرز ، وإن لم يكن فيه حافظ ولا عنده ، وسواء سرق من ذلك وهو مفتوح الباب ، أو لا باب له إلا أنه محجر بالبناء . فأما ما كان في غير بناء ولا خيمة ، فإنه ليس في حرز إلا أن يكون عنده من يحفظه . ونقل الميموني عن إذا كان المكان مشتركا في الدخول إليه ، كالحمام والخيمة لم يقطع السارق منه ، ولم يعتبر أحمد: الحافظ . ونقل عنه ابن منصور: لا يقطع إلا أن يكون على المتاع أجير حافظ . فأما النباش ، فقال سارق الحمام في رواية أحمد أبي طالب: يقطع ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وقال وابن أبي ليلى . الثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة: لا يقطع .
[ ص: 354 ] فصل
فأما فمن مفصل الكف ، ومن مفصل الرجل . فأما اليد اليسرى والرجل اليمنى ، فروي عن موضع قطع السارق ، لا تقطع ، وهو قول أحمد: أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وأبي حنيفة ، وروي عنه: أنها تقطع ، وبه قال مالك ، ولا يثبت القطع إلا بإقراره مرتين ، وبه قال والشافعي . ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأبو يوسف . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، يثبت بمرة . ويجتمع القطع والغرم موسرا كان أو معسرا . وقال والشافعي: أبو حنيفة: لا يجتمعان ، فإن كانت العين باقية أخذها ربها ، وإن كانت مستهلكة ، فلا ضمان . وقال يضمنها إن كان موسرا ، ولا شيء عليه إن كان معسرا . مالك:
قوله تعالى: نكالا من الله قد ذكرنا "النكال" في (البقرة)
قوله تعالى: والله عزيز حكيم قال شديد في انتقامه ، حكيم إذ حكم بالقطع . قال سعيد بن جبير: قرأت هذه الآية ، وإلى جنبي أعرابي ، فقلت: والله غفور رحيم ، سهوا ، فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ قلت: كلام الله . قال: أعد فأعدت: والله غفور رحيم ، فقال: ليس هذا كلام الله ، فتنبهت ، فقلت: والله عزيز حكيم . فقال: أصبت ، هذا كلام الله . فقلت له: أتقرأ القرآن؟ قال: لا . قلت: فمن أين علمت أني أخطأت؟ فقال: يا هذا عز فحكم فقطع ، ولو غفر ورحم لما قطع . الأصمعي: