كان يقول: "إذ" ملغاة ، وتقدير الكلام: وقال ربك ، وتابعه أبو عبيدة وعاب ذلك عليهما ابن قتيبة ، الزجاج وابن القاسم . وقال إذ معناها: الوقت ، فكأنه قال: ابتداء خلقكم إذ قال ربك للملائكة . الزجاج:
من الألوك ، وهي الرسالة ، قال والملائكة: لبيد:
وغلام أرسلته أمه بألوك فبذلنا ما سأل
وواحد الملائكة: ملك ، والأصل فيه: ملأك . وأنشد [ ص: 59 ] سيبويه:
فلست لإنسي ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب
قال ومعنى ملأك: صاحب رسالة ، يقال: مألكة ومألكة وملأكة . ومآلك: جمع مألكة . قال الشاعر: أبو إسحاق:
أبلغ النعمان عني مألكا أنه قد طال حبسي وانتظاري
وفي هؤلاء الملائكة قولان . أحدهما: أنهم جميع الملائكة ، قاله عن أشياخه . والثاني: أنهم الذين كانوا مع إبليس حين أهبط إلى الأرض ، ذكره السدي عن أبو صالح ابن عباس .
ونقل أنه كان في الأرض قبل آدم خلق ، فأفسدوا ، فبعث الله إبليس في جماعة من الملائكة فأهلكوهم .
واختلفوا ما آدم على ستة أقوال . المقصود في إخبار الله عز وجل الملائكة بخلق
أحدها: أن الله تعالى علم في نفس إبليس كبرا ، فأحب أن يطلع الملائكة عليه ، وأن يظهر ما سبق عليه في علمه ، رواه عن الضحاك ابن عباس ، عن أشياخه . والسدي
والثاني: أنه أراد أن يبلو طاعة الملائكة ، قاله الحسن .
والثالث: أنه لما خلق النار خافت الملائكة ، فقالوا: ربنا لمن خلقت هذه؟ قال: لمن عصاني ، فخافوا وجود المعصية منهم ، وهم لا يعلمون بوجود خلق سواهم ، فقال لهم: إني جاعل في الأرض خليفة [ البقرة: 30 ] قاله ابن زيد .
والرابع: أنه أراد إظهار عجزهم عن الإحاطة بعلمه ، فأخبرهم حتى قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها؟ فأجابهم: إني أعلم ما لا تعلمون .
والخامس: أنه أراد تعظيم آدم بذكره بالخلافة قبل وجوده ، ليكونوا معظمين له إن أوجده . [ ص: 60 ] والسادس: أنه أراد إعلامهم بأنه خلقه ليسكنه الأرض ، وإن كانت ابتداء خلقه في السماء .
والخليفة: هو القائم مقام غيره ، يقال: هذا خلف فلان وخليفته قال والأصل في الخليفة خليف ، بغير هاء ، فدخلت الهاء للمبالغة في مدحه بهذا الوصف ، كما قالوا: علامة ونسابة وراوية . وفي معنى خلافة ابن الأنباري: آدم قولان .
أحدهما: أنه خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه ، ودلائل توحيده ، والحكم في خلقه ، وهذا قول ابن مسعود ومجاهد .
والثاني: أنه خلف من سلف في الأرض قبله ، وهذا قول ابن عباس والحسن .