[ ص: 37 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[4 ]
nindex.php?page=treesubj&link=28739_29778_30179_34296_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4والذين يؤمنون بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون
" والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" والمراد "بما أنزل إليك" الكتاب المنزل كله ، وإنما عبر عنه بلفظ الماضي - وإن كان بعضه مترقبا - تغليبا للموجود على ما لم يوجد . كما أن المراد من قوله : "وما أنزل من قبلك" الكتب الإلهية السالفة كلها . وهذا كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نـزل على رسوله والكتاب الذي أنـزل من قبل الآية . والإنزال النقل من الأعلى إلى الأسفل . فنزول الكتب الإلهية إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام بأن يتلقاها
جبريل من جنابه عز وجل فينزل بها إلى الرسل عليهم السلام . ولهذا يقال :
nindex.php?page=treesubj&link=29453_28425_28742القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، منه بدأ .
قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره : وإليه يعود أي هو المتكلم به . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منـزل من ربك بالحق وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102قل نـزله [ ص: 38 ] روح القدس من ربك بالحق وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تنـزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم
" وبالآخرة هم يوقنون الآخرة في الأصل : تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول وهي صفة الدار ، بدليل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=83تلك الدار الآخرة سميت بذلك لأنها متأخرة عن الدنيا . وقيل للدنيا : دنيا ، لأنها أدنى من الآخرة . وهما من الصفات الغالبة . ومع ذلك فقد جريا مجرى الأسماء ; إذ قد غلب ترك ذكر اسم موصوفهما معهما ، كأنهما ليسا من الصفات .
والإيقان إتقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه ، وفي تقديم "الآخرة" وبناء "يوقنون" على "هم" تعريض بأهل الكتاب ، وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته . كزعمهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى ؛ وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة ؛ واختلافهم في أن نعيم الجنة هل هو من قبيل نعيم الدنيا أو لا ؟ وهل هو دائم أو لا ؟ فاعتقادهم في أمور الآخرة بمعزل من الصحة ، فضلا عن الوصول إلى مرتبة اليقين ! .
[ ص: 37 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[4 ]
nindex.php?page=treesubj&link=28739_29778_30179_34296_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْـزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
" وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" وَالْمُرَادُ "بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ" الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ كُلُّهُ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي - وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مُتَرَقِّبًا - تَغْلِيبًا لِلْمَوْجُودِ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ . كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : "وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" الْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ السَّالِفَةُ كُلُّهَا . وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَـزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْـزَلَ مِنْ قَبْلُ الْآيَةَ . وَالْإِنْزَالُ النَّقْلُ مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَلِ . فَنُزُولُ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنْ يَتَلَقَّاهَا
جِبْرِيلُ مِنْ جَنَابِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْزِلُ بِهَا إِلَى الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ . وَلِهَذَا يُقَالُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29453_28425_28742الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ ، مِنْهُ بَدَأَ .
قَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ : وَإِلَيْهِ يَعُودُ أَيْ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَـزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102قُلْ نَـزَّلَهُ [ ص: 38 ] رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تَنْـزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
" وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ الْآخِرَةُ فِي الْأَصْلِ : تَأْنِيثُ الْآخِرِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْأَوَّلِ وَهِيَ صِفَةُ الدَّارِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=83تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنِ الدُّنْيَا . وَقِيلَ لِلدُّنْيَا : دُنْيَا ، لِأَنَّهَا أَدْنَى مِنَ الْآخِرَةِ . وَهُمَا مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ . وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ جَرَيَا مَجْرَى الْأَسْمَاءِ ; إِذْ قَدْ غَلَبَ تَرْكُ ذِكْرِ اسْمِ مَوْصُوفِهِمَا مَعَهُمَا ، كَأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنَ الصِّفَاتِ .
وَالْإِيقَانُ إِتْقَانُ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُ ، وَفِي تَقْدِيمِ "الْآخِرَةُ" وَبِنَاءُ "يُوقِنُونَ" عَلَى "هُمْ" تَعْرِيضٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ ، وَبِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ إِثْبَاتِ أَمْرِ الْآخِرَةِ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ . كَزَعْمِهِمْ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ؛ وَأَنَّ النَّارَ لَنْ تَمَسَّهُمْ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ؛ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ هَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ نَعِيمِ الدُّنْيَا أَوْ لَا ؟ وَهَلْ هُوَ دَائِمٌ أَوْ لَا ؟ فَاعْتِقَادُهُمْ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ بِمَعْزِلٍ مِنَ الصِّحَّةِ ، فَضْلًا عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مَرْتَبَةِ الْيَقِينِ ! .