القول في تأويل قوله تعالى : 
[ 92 ] ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون    . 
ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم  عطف على : ( المحسنين ) ، أو على ( الضعفاء ) أي : لتعطيهم ظهرا يركبونه إلى الجهاد معك قلت  أي : لهم لا أجد ما أحملكم عليه  أي : إلى الجهاد . 
قوله تعالى : تولوا  جواب ( إذا ) ، أي : خرجوا من عندك وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون  أي : في الحملان ، فهؤلاء وإن كانت لهم قدرة على تحمل المشاق ، فما عليهم من سبيل أيضا . 
 [ ص: 3233 ] تنبيهات : 
الأول : قال السيوطي  في ( " الإكليل " ) : في قوله تعالى : ليس على الضعفاء  إلخ رفع الجهاد عن الضعيف والمريض ، ومن لا يجد نفقة ولا أهبة للجهاد ولا محملا   . انتهى . 
وقال بعض الزيدية   : هذه الآية الكريمة قاضية بنفي الحرج ، وهو الإثم على ترك الجهاد لهذه الأعذار ، بشرط النصيحة لله ولرسوله ، أي : بأن يريد لهم ما يريد لنفسه . 
- عن أبي مسلم   - . 
الثاني : قال  الحاكم   : في الآية دلالة على أن النصح في الدين واجب  ، وأنه يدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والشهادات والأحكام والفتاوى وبيان الأدلة . 
الثالث : قال  ابن الفرس   : يستدل بقوله تعالى : ما على المحسنين من سبيل  على أن قاتل البهيمة الصائلة لا يضمنها   . 
وقال بعض الزيدية   : يدل على أن المستودع والوصي والملتقط ، لا ضمان عليهم مع عدم التفريط ، وأنه لا يجب عليهم الرد ، بخلاف المستعير . 
الرابع : دل قوله تعالى : ولا على الذين  إلخ ، على أن العادم للنفقة ، الطالب للإعانة ، إذا لم تحصل له ، فلا حرج عليه ، وفيه إشارة إلى المعونة إذا بدلت له من الإمام ، لزمه الخروج . 
الخامس : دلت الآية على جواز البكاء وإظهار الحزن على فوات الطاعة، وإن كان معذورا . 
السادس : قوله تعالى : تفيض من الدمع  أبلغ من يفيض دمعها ، لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض ، ومن للبيان ، كقولك : أفديك من رجل . ومحل الجار والمجرور النصب على التمييز - أفاده  الزمخشري   - . 
السابع : روى  ابن أبي حاتم  عن  زيد بن ثابت  قال : كنت أكتب ( براءة ) ، فإني لواضع القلم على أذني ، إذ أمرنا بالقتال ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه ، إذ جاء أعمى فقال : كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى ؟ فنزلت : ليس على الضعفاء  الآية . 
 [ ص: 3234 ] وروى العوفي  عن  ابن عباس  في هذه الآية ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه ، فجاءته عصابة من أصحابه ، فيهم  عبد الله بن مغفل بن مقرن المزني  ، فقالوا : يا رسول الله ! احملنا . فقال لهم : « والله ! لا أجد ما أحملكم عليه » فتولوا وهم يبكون ، وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ، ولا يجدون نفقة ولا محملا ، فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله ، أنزل عذرهم في كتابه ، فقال : ليس على الضعفاء  
وروى الإمام  أحمد  عن  جابر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لقد خلفتم بالمدينة  رجالا ، ما قطعتم واديا ، ولا سلكتم طريقا ، إلا أشركوكم في الأجر ، حبسهم المرض »  . ورواه  مسلم   . 
ثم رد تعالى الملامة على المستأذنين في القعود وهم أغنياء ، بقوله : 
				
						
						
