القول في تأويل قوله تعالى:
[ 105 ] وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين
وأن أقم وجهك للدين حنيفا أي مائلا عن الأديان الباطلة.
لطيفتان:
الأولى: إقامة الوجه للدين كناية عن توجيه النفس بالكلية إلى عبادته تعالى، والإعراض عما سواه، فإن من أراد أن ينظر إلى شيء نظر استقصاء، يقيم وجهه في مقابلته، بحيث لا يلتفت يمينا ولا شمالا ; إذ لو التفت بطلت المقابلة، فلذا كني به عن صرف العمل بالكلية إلى الدين، فالمراد بالوجه الذات. أي اصرف ذاتك وكليتك للدين، فاللام صلة.
الثانية: جملة (وأن أقم) عطف على (أن أكون). وجاز حكاية صلة (أن) بصيغة الأمر، لأنه لا فرق في صلة الموصول الحرفي بين الطلب وبين الخبر، لأن القصد وصلها بما يتضمن معنى المصدر، وهو يحصل بكل فعل. وقال بعضهم: إن هنا فعلا مقدرا. أي وأوحي إلي أن أقم، وأنه يجوز أن تكون (أن) مصدرية ومفسرة، لأن في المقدر معنى القول دون حرفه، ثم رجحه بأنه يزول فيه قلق العطف، ويكون الخطاب في وجهك في محله. ورد بأن الجملة المفسرة لا يجوز حذفها، ولا قلق في هذا العطف، وأمر الخطاب سهل; لأنه لملاحظة المحكي، والأمر المذكور معه، كذا في (العناية).
وقوله تعالى: ولا تكونن من المشركين تهييج وحث له على عبادة الله تعالى، ومنع لغيره، كما تقدم.