القول في تأويل قوله تعالى:
[13]
nindex.php?page=treesubj&link=21368_2646_28328_28633_28723_30504_32116_32462_34232_844_29029nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات أي: أخفتم، من تقديم الصدقات، الفاقة والفقر؟ توبيخ بأن مثله لا ينبغي أن يشفق منه، للزوم الخلف والإنفاق، لزوم الظل للشاخص بوعد الله الصدق.
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13فإذ لم تفعلوا أي: ما ندبتم إليه من تقديم الصدقة، وشق عليكم،
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13وتاب الله عليكم بأن رخص لكم أن لا تفعلوا، رفعا للحرج حسبما أشفقتم.
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله أي: فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات؛ فإن ذلك يكسبكم ملكة الخير والفضيلة،
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13والله خبير بما تعملون أي: فيجزيكم بحسبه.
تنبيه:
في "الإكليل": قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12إذا ناجيتم الرسول الآية. منسوخة بالتي بعدها، وفيه دليل على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=22177النسخ بلا بدل، ووقوعه، خلافا لمن أبى ذلك. انتهى.
[ ص: 5724 ] والظاهر أن مستند شهرة النسخ ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد قال: قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه : إن في كتاب الله عز وجل لآية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم إلخ قال: فرضت، ثم نسخت.
وعنه أيضا قال: نهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قدم دينارا فتصدق به، ثم أنزلت الرخصة فيه.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أنها منسوخة، ما كانت إلا ساعة من نهار.
وعنه أيضا قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=848973سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة فوعظهم الله بهذه الآية، وكان الرجل تكون له الحاجة إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فلا يستطيع أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة، فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله الرخصة بعد ذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة قالا:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12إذا ناجيتم الرسول الآية. نسختها التي بعدها
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أأشفقتم الآية.
هذه الآثار وأمثالها هي مستند مدعي النسخ، وقوفا مع ظاهرها. وقد أسلفنا في مقدمة التفسير، ومواضع أخرى، أن النسخ في كلام السلف أعم منه باصطلاح الخلف، كما أن المراد من سبب النزول أعم مما يتبادر إليه الفهم. ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة هنا: فأنزل الله الرخصة بعد ذلك، فإن مراده إبانة أن الأمر ليس بعزيمة في الآية الثانية، لا أن نزولها كان متراخيا عن الأولى؛ فإن ذلك مستحيل على رونق نظمها الكريم. والأصل في الآي المقررة لحكم ما، هو اتصال جملها، وانتظام عقدها، إذ به يكمل سحر بلاغتها، وبديع وتمام فقهها. والذين ذهبوا إلى عدم وقوع النسخ في التنزيل، لهم في الآية وجوه:
[ ص: 5725 ] أحدها: قول
أبي مسلم : إن المنافقين كانوا يمتنعون من بذل الصدقات، وأن قوما من المنافقين تركوا النفاق، وآمنوا ظاهرا وباطنا إيمانا حقيقيا، فأراد الله تعالى أن يميزهم عن المنافقين، فأمر بتقديم الصدقة على النجوى، ليتميز هؤلاء الذين آمنوا إيمانا حقيقيا عمن بقي على نفاقه الأصلي. وإذا كان هذا التكليف لأجل هذه المصلحة المقدرة بذلك الوقت، لا جرم يقدر هذا التكليف بذلك الوقت.
قال
الرازي: وحاصل قول
أبي مسلم أن ذلك التكليف كان مقدرا بغاية مخصوصة، فوجب انتهاؤه عند الانتهاء إلى الغاية المخصوصة، فلا يكون هذا نسخا وهذا الكلام حسن ما به بأس. انتهى.
ثانيها: قول بعضهم: إن شبهة مدعي النسخ ذهابهم إلى أن الأمر بتقديم الصدقة للوجوب، وتأكد ذلك بقوله بعده:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فإن ذلك لا يقال إلا فيما بفقده يزول وجوبه. والجواب: أن لا قاطع في كون الأمر للوجوب، بل الظاهر أنه للندب: ويدل عليه أمور:
الأول: أنه تعالى قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12ذلك خير لكم وأطهر وهذا إنما يستعمل في التطوع لا في الفرض.
والثاني: أنه لو كان ذلك واجبا لما أزيل وجوبه بكلام متصل به، وهو:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أأشفقتم أن تقدموا إلى آخر الآية.
والثالث: أن قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة إلخ معناه: إن لم تفعلوا ما ندبتم إليه من
nindex.php?page=treesubj&link=32462_32116تقديم الصدقات قبل مناجاة الرسول، والحال أن الله قد رجع إليكم بالتخفيف والتسهيل فيما شرعه لكم، فلم يعاملكم كما كان يعامل الأمم السابقة ولم يعنتكم بشيء مما أوجبه عليكم، فلذا ندبكم إلى هذا الأمر، ولم يجعله عليكم فرضا، كما هي سنته في معاملتكم بالرأفة والرحمة، فأقيموا الصلاة... إلخ. فقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13وتاب الله عليكم [ ص: 5726 ] قد ورد هنا بمعنى الرجوع إلى التخفيف والتسهيل على هذه الأمة، والعدول عن معاملتها كسابقيها، لا بمعنى التجاوز عن السيئات وغفران الذنوب. وقد ورد بذلك المعنى أيضا في آية أخرى في سورة المزمل، في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20علم أن لن تحصوه فتاب عليكم أي: رجع إليكم بالتخفيف، ورفع عنكم ما يشق عليكم. وليس معناه في هاتين الآيتين العفو عن الذنوب؛ إذ لا ذنب هنا صدر منهم. هذا ملخص ما حققه من ذهب إلى امتناع النسخ. والحق لا تخفى قرته وسكون النفس إليه. وبالله التوفيق.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[13]
nindex.php?page=treesubj&link=21368_2646_28328_28633_28723_30504_32116_32462_34232_844_29029nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ أَيْ: أَخِفْتُمْ، مِنْ تَقْدِيمِ الصَّدَقَاتِ، الْفَاقَةَ وَالْفَقْرَ؟ تَوْبِيخٌ بِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْفَقَ مِنْهُ، لِلُزُومِ الْخَلَفِ وَالْإِنْفَاقِ، لُزُومَ الظِّلِّ لِلشَّاخِصِ بِوَعْدِ اللَّهِ الصِّدْقِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا أَيْ: مَا نُدِبْتُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ، وَشَقَّ عَلَيْكُمْ،
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِأَنْ رَخَّصَ لَكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، رَفْعًا لِلْحَرَجِ حَسْبَمَا أَشْفَقْتُمْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَيْ: فَلَا تُفَرِّطُوا فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُكْسِبُكُمْ مَلَكَةَ الْخَيْرِ وَالْفَضِيلَةِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ أَيْ: فَيَجْزِيكُمْ بِحَسَبِهِ.
تَنْبِيهٌ:
فِي "الْإِكْلِيلِ": قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ الْآيَةَ. مَنْسُوخَةٌ بِالَّتِي بَعْدَهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=22177النَّسْخِ بِلَا بَدَلٍ، وَوُقُوعِهِ، خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ. انْتَهَى.
[ ص: 5724 ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُسْتَنَدَ شُهْرَةِ النَّسْخِ مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَآيَةً مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ إِلَخْ قَالَ: فُرِضَتْ، ثُمَّ نُسِخَتْ.
وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: نُهُوا عَنْ مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَتَصَدَّقُوا، فَلَمْ يُنَاجِهِ إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدَّمَ دِينَارًا فَتَصَدَّقَ بِهِ، ثُمَّ أُنْزِلَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ.
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، مَا كَانَتْ إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.
وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=848973سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ فَوَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَكَانَ الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْضِيَهَا حَتَّى يُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ صَدَقَةً، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الرُّخْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=16584وَعِكْرِمَةَ قَالَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ الْآيَةَ. نَسَخَتْهَا الَّتِي بَعْدَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أَأَشْفَقْتُمْ الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآثَارُ وَأَمْثَالُهَا هِيَ مُسْتَنَدُ مُدَّعِي النَّسْخِ، وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِهَا. وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِي مُقَدِّمَةِ التَّفْسِيرِ، وَمَوَاضِعَ أُخْرَى، أَنَّ النَّسْخَ فِي كَلَامِ السَّلَفِ أَعَمُّ مِنْهُ بِاصْطِلَاحِ الْخَلَفِ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ سَبَبِ النُّزُولِ أَعَمُّ مِمَّا يَتَبَادَرُ إِلَيْهِ الْفَهْمُ. وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ هُنَا: فَأَنْزَلَ اللَّهُ الرُّخْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ مُرَادَهُ إِبَانَةُ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ بِعَزِيمَةٍ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ، لَا أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ مُتَرَاخِيًا عَنِ الْأُولَى؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى رَوْنَقِ نَظْمِهَا الْكَرِيمِ. وَالْأَصْلُ فِي الْآيِ الْمُقَرِّرَةِ لِحُكْمٍ مَا، هُوَ اتِّصَالُ جُمَلِهَا، وَانْتِظَامُ عِقْدِهَا، إِذْ بِهِ يَكْمُلُ سِحْرُ بَلَاغَتِهَا، وَبَدِيعُ وَتَمَامُ فِقْهِهَا. وَالَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ النَّسْخِ فِي التَّنْزِيلِ، لَهُمْ فِي الْآيَةِ وُجُوهٌ:
[ ص: 5725 ] أَحَدُهَا: قَوْلُ
أَبِي مُسْلِمٍ : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَمْتَنِعُونَ مِنْ بَذْلِ الصَّدَقَاتِ، وَأَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ تَرَكُوا النِّفَاقَ، وَآمَنُوا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إِيمَانًا حَقِيقِيًّا، فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُمَيِّزَهُمْ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فَأَمَرَ بِتَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّجْوَى، لِيَتَمَيَّزَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا حَقِيقِيًّا عَمَّنْ بَقِيَ عَلَى نِفَاقِهِ الْأَصْلِيِّ. وَإِذَا كَانَ هَذَا التَّكْلِيفُ لِأَجْلِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ، لَا جَرَمَ يُقَدَّرُ هَذَا التَّكْلِيفُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ.
قَالَ
الرَّازِيُّ: وَحَاصِلُ قَوْلِ
أَبِي مُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ التَّكْلِيفَ كَانَ مُقَدَّرًا بِغَايَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَوَجَبَ انْتِهَاؤُهُ عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إِلَى الْغَايَةِ الْمَخْصُوصَةِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا نَسْخًا وَهَذَا الْكَلَامُ حَسَنٌ مَا بِهِ بَأْسٌ. انْتَهَى.
ثَانِيهَا: قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّ شُبْهَةَ مُدَّعِي النَّسْخِ ذَهَابُهُمْ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِتَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ لِلْوُجُوبِ، وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إِلَّا فِيمَا بِفَقْدِهِ يَزُولُ وُجُوبُهُ. وَالْجَوَابُ: أَنْ لَا قَاطِعَ فِي كَوْنِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلنَّدْبِ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أُمُورٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَهَذَا إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرْضِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا لَمَا أُزِيلَ وُجُوبُهُ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ بِهِ، وَهُوَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِلَخْ مَعْنَاهُ: إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا مَا نُدِبْتُمْ إِلَيْهِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32462_32116تَقْدِيمِ الصَّدَقَاتِ قَبْلَ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ، وَالْحَالُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ رَجَعَ إِلَيْكُمْ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّسْهِيلِ فِيمَا شَرَعَهُ لَكُمْ، فَلَمْ يُعَامِلْكُمْ كَمَا كَانَ يُعَامِلُ الْأُمَمَ السَّابِقَةَ وَلَمْ يُعْنِتْكُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا أَوْجَبَهُ عَلَيْكُمْ، فَلِذَا نَدَبَكُمْ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَلَيْكُمْ فَرْضًا، كَمَا هِيَ سُنَّتُهُ فِي مُعَامَلَتِكُمْ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ... إِلَخْ. فَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [ ص: 5726 ] قَدْ وَرَدَ هُنَا بِمَعْنَى الرُّجُوعِ إِلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّسْهِيلِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْعُدُولِ عَنْ مُعَامَلَتِهَا كَسَابِقِيهَا، لَا بِمَعْنَى التَّجَاوُزِ عَنِ السَّيِّئَاتِ وَغُفْرَانِ الذُّنُوبِ. وَقَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْضًا فِي آيَةٍ أُخْرَى فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ أَيْ: رَجَعَ إِلَيْكُمْ بِالتَّخْفِيفِ، وَرَفَعَ عَنْكُمْ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْعَفْوَ عَنِ الذُّنُوبِ؛ إِذْ لَا ذَنْبَ هُنَا صَدَرَ مِنْهُمْ. هَذَا مُلَخَّصُ مَا حَقَّقَهُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى امْتِنَاعِ النَّسْخِ. وَالْحَقُّ لَا تَخْفَى قُرَّتُهُ وَسُكُونُ النَّفْسِ إِلَيْهِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.