[ ص: 6127 ] بسم الله الرحمن الرحيم
87- سورة الأعلى
مكية وآيها تسع عشرة: قال : والدليل على أنها مكية ما رواه ابن كثير عن البخاري قال: البراء بن عازب مصعب بن عمير فجعلا يقرئاننا القرآن. ثم جاء وابن أم مكتوم عمار وبلال . وسعد
ثم جاء في عشرين. ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم. فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به. حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء. فما جاء حتى قرأت عمر بن الخطاب سبح اسم ربك الأعلى في سور مثلها. أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وعن قال: علي رضي الله عنه سبح اسم ربك الأعلى تفرد به كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة . الإمام أحمد
وثبت في الصحيحين : هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى. لمعاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
وعن النعمان بن بشير رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية. وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما. وأهل السنن. مسلم
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد والمعوذتين.
[ ص: 6128 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى:
[ 1 - 5 ] سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى
سبح اسم ربك الأعلى أي: نزه ربك عما يصفه به المشركون من الولد والشريك ونحوهما، كقوله: سبحان ربك رب العزة عما يصفون فالاسم صلة. وسر إيراده أن المنوه به إذا كان في غاية العظمة، كثيرا ما تضاف ألفاظ التفخيم إلى اسمه، فيقال: سبح اسمه ومجد ذكره، كما يقال: سلام على المجلس العالي. هذا ما ذكروه. وثمة وجه آخر وهو أن الحق تعالى إنما يعرف بأسمائه الحسنى، لاستحالة اكتناه ذاته العلية، فأقحم تنبيها على ذلك. ومما يؤيده ما ذكر من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة أنهم « كانوا إذا قرؤوا ذلك قالوا: سبحان ربي الأعلى » ، كما رواه وغيره. ابن جرير
وذهب بعضهم إلى أن المراد أن يسمى به شيء سواه، كما كان يفعل المشركون من تسميتهم آلهتهم، بعضها اللات وبعضها العزى، حكاه تنزيه اسم الله وتقديسه ; فالإسناد على ظاهره، وهذا ما اعتمده ابن جرير الإمام ابن حزم في (الفصل) حيث رد على من استدل بهذه الآية [ ص: 6129 ] في أن الاسم عين المسمى، ذهابا إلى أن من الممتنع أن يأمر الله عز وجل بأن يسبح غيره. فقال ابن حزم رحمه الله: وأما قوله تعالى: سبح اسم ربك الأعلى فهو على ظاهره دون تأويل; لأن التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله عز وجل، هو تنزيه الشيء عن السوء، وبلا شك أن الله تعالى أمرنا أن ننزه اسمه الذي هو كلمة مجموعة من حروف الهجاء، عن كل سوء حيث كان من كتاب أو منطوقا به. ووجه آخر وهو أن معنى قوله تعالى: التسبيح في اللغة سبح اسم ربك الأعلى ومعنى قوله تعالى: إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم معنى واحد، وهو أن يسبح الله تعالى باسمه. ولا سبيل إلى تسبيحه تعالى ولا إلى دعائه ولا إلى ذكره إلا بتوسط اسمه; فكلا الوجهين صحيح. وتسبيح الله تعالى وتسبيح اسمه كل ذلك واجب بالنص. ولا فرق بين قوله تعالى: فسبح باسم ربك العظيم وبين قوله وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم
والحمد بلا شك هو غير الله، وهو تعالى يسبح بحمده كما يسبح باسمه، ولا فرق; فبطل تعلقهم بهذه الآية. انتهى كلامه.
وقد يقال: فرق بين الآيتين، فإن الباء في "بحمد ربك" للملابسة، ولا كذلك هي في "باسم ربك" ومع اتساع اللفظ الكريم للأوجه كلها، فالأظهر هو الأول لما أيده من الأخبار ولآية "فسبحه" وآية "سبحان ربك" والله أعلم.
و "الأعلى" هو الأرفع من كل شيء، قدرة وملكا وسلطانا. واستدل السلف بظاهره في إثبات العلو بلا تكييف. والمسألة معروفة.
الذي خلق فسوى قال : أي: خلق كل شيء فسوى خلقه تسوية، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم، ولكن على إحكام واتساق، ودلالة على أنه صادر عن عالم، وأنه [ ص: 6130 ] صنعة حكيم. الزمخشري
والذي قدر فهدى أي: قدر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به.
والذي أخرج المرعى أي: أخرج من الأرض مرعى الأنعام من صنوف النبات.
فجعله أي: بعد خضرته ونضرته غثاء أي: جافا يابسا تطير به الريح أحوى أي: أسود، صفة مؤكدة لـ: "غثاء"; لأن النبات إذا يبس تغير إلى (الحوة)، وهي السواد.
قال : وكان بعض أهل العلم بكلام لغة العرب يرى أن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم، وأن معنى الكلام: والذي أخرج المرعى أحوى، أي: أخضر إلى السواد فجعله غثاء بعد ذلك. وهذا القول وإن كان غير مدفوع، أن يكون ما اشتدت خضرته من النبات، قد تسميه العرب أسود، غير صواب عندي بخلاف تأويل أهل التأويل في أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير إذا لم يكن له وجه مفهوم إلا بتقديمه عن موضعه أو تأخيره، فأما وله في موضعه وجه صحيح، فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير. انتهى. والقول المذكور هو ابن جرير للفراء . وأبي عبيدة