فصل
والحق الوقوف في على ما ثبت في الصحيحين من حديث صفة التيمم ، من الاقتصار على ضربة واحدة للوجه والكفين. عمار
[ ص: 1268 ] : أجنبت فلم أصب الماء، فتمعكت في الصعيد، وصليت، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنما كان يكفيك هكذا، وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه عمار متفق عليه. قال
وفي لفظ: إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين رواه . الدارقطني
وروى الإمام أحمد ، عن وأبو داود عمار بن ياسر . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في التيمم: ضربة للوجه واليدين
وفي لفظ: رواه إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بالتيمم للوجه والكفين وصححه. الترمذي
قال : أكثر الآثار المرفوعة عن ابن عبد البر ضربة واحدة، وما روي عنه من ضربتين فكلها مضطربة، وأما الجواب عن المتفق عليه من حديث عمار بأن المراد منه بيان صورة الضرب وليس المراد منه جميع ما يحصل به التيمم - فتكلف واضح، ومخالفة للظاهر. عمار
وقد سرى هذا إلى العلامة السندي في "حواشي " حيث كتب على حديث البخاري ما نصه: قد استدل المصنف (يعني عمار ) بهذا الحديث على عدم البخاري في موضع، وعلى عدم وجوب الضربة الثانية في موضع آخر، وكذا سيجيء في روايات هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قدم في هذه الواقعة الكفين على الوجه، فاستدل به القائل لعدم لزوم لزوم الذراعين في التيمم فلعل القائل بخلاف ذلك يقول: إن هذا الحديث ليس مسوقا لبيان عدد الضربات ولا لبيان تحديد اليد في التيمم ولا لبيان عدم لزوم الترتيب، بل ذلك أمر مفوض إلى أدلة خارجة، وإنما هو مسوق لرد ما زعمه الترتيب، من أن الجنب يستوعب البدن كله، والقصر في قوله: (إنما كان يكفيك) معتبر بالنسبة إليه، كما هو القاعدة أن القصر [ ص: 1269 ] يعتبر بالنظر إلى زعم المخاطب، فالمعنى: إنما يكفيك استعمال الصعيد في عضوين: وهما الوجه واليد. عمار
وأشار إلى اليد بـ(الكف) ولا حاجة إلى استعماله في تمام البدن، وعلى هذا يستدل على عدد الضربات وتحديد اليد ولزوم الترتيب أو عدمه بأدلة أخر، كحديث: وغير ذلك، فإنه صحيح كما نص عليه بعض الحفاظ، وهو مسوق لمعرفة عدد الضربات وتحديد اليد، فيقدم على غير المسوق لذلك، والله تعالى أعلم. انتهى كلامه. التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين
وقوله: (فإنه حديث صحيح) فيه ما تقدم.
وقد قال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" في (فصل: هديه صلى الله عليه وسلم بالتيمم) ما نصه: كان - صلى الله عليه وسلم - يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين، ولم يصح عنه أنه تيمم بضربتين، ولا إلى المرفقين.
قال : من قال: إن التيمم إلى المرفقين فإنما هو شيء زاده من عنده، وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها ترابا كانت أو سبخة أو رملا. الإمام أحمد
وصح عنه أنه قال: وهذا نص صريح في أن من حيثما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره . أدركته الصلاة في الرمل فالرمل له طهور
ولما سافر - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه في غزوة تبوك قطعوا تلك الرمال في طريقهم، وماؤهم في غاية القلة، ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب، ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه، مع القطع بأن في المفاوز الرمال أكثر من التراب، وكذلك أرض الحجاز وغيره، ومن تدبر هذا قطع بأنه كان يتيمم بالرمل، والله أعلم، وهذا قول الجمهور.
وأما ما ذكر في صفة التيمم من وضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور اليمنى، ثم إمرارها إلى المرفق، ثم إدارة بطن كفه على بطن الذراع، وإقامة إبهامه اليسرى كالمؤذن، إلى أن يصل إلى إبهامه اليمنى، فيطبقها عليها، فهذا مما يعلم قطعا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله، ولا علمه أحدا من أصحابه، ولا أمر به، ولا استحسنه، وهذا هديه، إليه التحاكم، وكذلك لم يصح عنه التيمم لكل صلاة، ولا أمر به، بل أطلق، وجعله قائما مقام الوضوء وهذا يقتضي أن يكون حكمه حكمه، إلا فيما اقتضى الدليل خلافه. انتهى.
[ ص: 1270 ] السابعة: ذكر هنا الحافظ ابن كثير قال: وإنما ذكرنا ذلك ههنا لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة، وبيانه: أن هذه نزلت قبل تحريم الخمر، والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير، في محاصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني النضير، وأما المائدة فإنها من آخر ما نزل، ولا سيما صدرها، فناسب أن يذكر السبب هنا، وبالله الثقة. سبب مشروعية التيمم
قال : حدثنا الإمام أحمد ابن نمير ، حدثنا هشام ، عن أبيه، أنها استعارت من عائشة قلادة فهلكت، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجالا في طلبها، فوجدوها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء، فصلوها بغير وضوء، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله عز وجل التيمم، فقال أسماء أسيد بن الحضير : جزاك الله خيرا، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا. لعائشة عن
(طريق أخرى) قال : حدثنا البخاري عبد الله بن يوسف قال: أنبأنا ، عن مالك ، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن القاسم زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: عائشة فقالوا: ألا ترى ما صنعت أبي بكر الصديق ؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء عائشة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي قد نام فقال: حبست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت أبو بكر : فعاتبني عائشة وقال ما شاء الله أن يقول، فجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 1271 ] حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا. فقال أبو بكر، : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. أسيد بن الحضير
قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته. خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، انقطع عقد لي، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى
وقد رواه أيضا عن البخاري ، عن قتيبة بن سعيد مالك.
ورواه ، عن مسلم يحيى بن يحيى ، عن . مالك
انتهى كلام . ابن كثير
وأورد في "أسباب النزول" هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا. الواحدي
وقال لا نعلم أي الآيتين عنت ابن العربي: . عائشة
قال : هي آية النساء أو آية المائدة. ابن بطال
وقال القرطبي: هي آية النساء، ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء، فيتجه تخصيصها بآية التيمم.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": وخفي على الجميع ما ظهر من أن [ ص: 1272 ] المراد بها آية المائدة بغير تردد لرواية للبخاري ؛ إذ صرح فيها بقوله: فنزلت: عمرو بن الحارث يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية.
وقال الحافظ قبل: استدل به (أي: بحديث ) على أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آية الوضوء، ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء، ووقع من عائشة في حق أبي بكر ما وقع. عائشة
قال : معلوم عند جميع أهل المغازي أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند. ابن عبد البر
قال: وفي قوله في هذا الحديث: (آية التيمم) إشارة إلى أن الذي طرأ عليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء، قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل.
قال السيوطي في "لباب النقول" بعد تصويب هذا الكلام: فإن فرض الوضوء كان مع فرض الصلاة بمكة ، والآية مدنية. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر أيضا في قول أسيد (ما هي بأول بركتكم): يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، فيقوي قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد، وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الأخباري فقال: سقط عقد في غزوة ذات الرقاع وفي غزوة بني المصطلق. عائشة
وقد روى من حديث ابن أبي شيبة قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع .. الحديث. أبي هريرة
فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق؛ لأن إسلام كان في السنة السابعة، وهي بعدها بلا خلاف. أبي هريرة
قال: وسيأتي في المغازي أن يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم البخاري ، وقدومه كان في وقت إسلام أبي موسى ، ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الإفك ما رواه أبي هريرة من طريق الطبراني عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه، فقال لي عائشة : يا بنية! في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس؟ فأنزل الله عز وجل الرخصة [ ص: 1273 ] في التيمم. أبو بكر
فقال : إنك لمباركة (ثلاثا) وفي إسناده أبو بكر محمد بن حميد الرازي ، وفيه مقال.
وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب الذي أبهم في حديث الباب، والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ. أبي بكر
وقال الإمام شمس الدين ابن القيم في "زاد المعاد" في (غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق): إنها كانت في شعبان سنة خمس، وبعد ذكرها قال: قال ابن سعد : وفي هذه الغزوة سقط عقد فاحتبسوا على طلبه، فنزلت آية التيمم، ثم ساق حديث لعائشة المتقدم، وقال: هذا يدل على أن قصة العقد التي نزل التيمم لأجلها بعد هذه الغزوة، وهو الظاهر، ولكن فيها كانت قصة الإفك بسبب فقد العقد والتماسه، فالتبس على بعضهم إحدى القصتين بالأخرى. انتهى. الطبراني
وقد روي سبب نزول الآية المذكورة أيضا عن - رضي الله عنه - قال: عمار بن ياسر ، فانقطع عقد لها من جزع ظفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء، فتغيظ عليها عائشة ، وقال: حبست الناس وليس معهم ماء! فأنزل الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - رخصة التطهر بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربوا بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئا، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط. أبو بكر إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرس بأولات الجيش ومعه
ورواه أيضا ، عن ابن جرير أبي اليقظان - رضي الله عنه - قال: [ ص: 1274 ] فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أضاء الصبح، فتغيظ لعائشة على أبو بكر ، فنزلت عليه الرخصة، المسح بالصعيد، فدخل عائشة فقال لها: إنك لمباركة، نزل فيك رخصة، فضربنا بأيدينا ضربة لوجوهنا وضربة لأيدينا إلى المناكب والآباط. أبو بكر كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهلك عقد
وروى الحافظ في سبب نزولها وجها آخر، عن أبو بكر بن مردويه الأسلع بن شريك - رضي الله عنه - قال: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى إلى قوله: إن الله كان عفوا غفورا كنت أرحل ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصابتني جنابة في ليلة باردة، وأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الرحلة، فكرهت أن أرحل ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا جنب، وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض، فأمرت رجلا من الأنصار فرحلها ثم رضفت أحجارا فأسخنت بها ماء واغتسلت، ثم لحقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فقال: يا أسلع ! ما لي أرى رحلتك قد تغيرت؟ قلت: يا رسول الله! لم أرحلها، رحلها رجل من الأنصار، قال: ولم؟ قلت: إني أصابتني جنابة فخشيت القر على نفسي، فأمرته أن يرحلها ورضفت أحجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت به، فأنزل الله عز وجل:
قال : وقد روي من وجه آخر عنه. ابن كثير