[ ص: 21 ] مقدمة
قال وغيره: آيات الأحكام خمسمائة آية ، وقال بعضهم مائة وخمسون ، وقيل: لعل مرادهم المصرح به فإن آيات القصص والأمثال وغيرها يستنبط منها كثير من الأحكام. قال الشيخ الغزالي عز الدين بن عبد السلام في كتاب الإمام: إنما فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب أو على إحباط عمل أو على مدح أو ذم أو نحوه فإنه يدل على الأحكام ، ثم قال: ومعظم آي القرآن لا تخلو عن أحكام مشتملة على آداب حسنة وأخلاق جميلة ، ثم من الآيات ما صرح فيه بالأحكام ، ومنها ما يؤخذ بطريق الاستنباط إما بلا ضم إلى آية أخرى كاستنباط تحريم الاستمناء من قوله: ضرب الله الأمثال في كتابه تذكيرا ووعظا إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم إلى قوله: فمن ابتغى وراء ذلك الآية. وصحة أنكحة الكفار من قوله: وامرأته حمالة الحطب وصحة صوم الجنب من قوله: فالآن باشروهن إلى قوله: حتى يتبين الآية. وإما به كاستنباط أن أقل الحمل ستة أشهر من قوله: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا مع قوله: وفصاله في عامين قال الشيخ عز الدين: ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر وتارة بالإخبار مثل أحل لكم حرمت عليكم الميتة كتب عليكم الصيام وتارة بما رتب عليها في العاجل أو الآجل من خير أو شر أو نفع أو ضر.
[ ص: 22 ] وقد نوع الشارع ذلك أنواعا كثيرة ترغيبا للعباد ، وترهيبا وتقريبا إلى أفهامهم فكل فعل عظمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعله ، أو أحبه أو أحب فاعله أو رضي به أو رضي عن فاعله ، أو وصفه بالاستقامة أو البركة أو الطيب أو أقسم به أو بفاعله كالأقسام بالشفع والوتر وبخيل المجاهدين ، وبالنفس اللوامة ، أو نصبه سببا لذكره اعبده أو لمحبته أو للثواب عاجلا أو آجلا ، أو لشكره له ، أو لهدايته إياه ، أو لإرضاء فاعله ، أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئآته ، أو لقبوله ، أو لنصرة فاعله ، أو بشارته ، أو وصف فاعله بالطيب ، أو وصف الفعل بكونه معروفا ، أو نفي الحزن ، أو الخوف عن فاعله ، أو وعده بالأمن ، أو نصبه سببا لولايته ، أو أخبر عن دعاء الرسول بحصوله ، أو وصفه بكون قربه ، أو بصفة مدح كالحياة والنور والشفاء ، فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب.
وكل فعل طلب الشارع تركه ، أو ذمه ، أو ذم فاعله ، أو عتب عليه ، أو مقت فاعله ، أو لعنه ، أو نفى محبته ، أو محبة فاعله ، أو الرضا به ، أو عن فاعله ، أو شبه فاعله بالبهائم ، أو بالشياطين ، أو جعله مانعا من الهدى ، أو من القبول ، أو وصفه بسوء ، أو كراهة ، أو استعاذ الأنبياء منه ، أو أبغضوه ، أو جعله سببا لنفي الفلاح ، أو لعذاب آجل أو عاجل ، أو لذم ، أو لوم ، أو ضلالة ، أو معصية ، أو وصف بخبث ، أو رجس ، أو نجس ، أو بكونه فسقا ، أو إثما ، أو سببا لإثم ، أو رجس ، أو لعن ، أو غضب ، أو زوال نعمة ، أو حلول نقمة ، أو حد من الحدود ، أو قسوة ، أو خزي ، أو ارتهان نفس ، أو لعداوة الله ومحاربته ، أو لاستهزائه ، أو سخريته ، أو جعله الله سببا لنسيانه فاعله ، أو وصف نفسه بالصبر عليه ، أو بالحلم ، أو بالصفح عنه ، أو دعا إلى التوبة منه ، أو وصف فاعله بخبث ، أو احتقار ، أو نسبه إلى عمل الشيطان ، أو تزيينه ، أو تولي الشيطان لفاعله ، أو وصف بصفة ذم ككونه ظلما ، أو بغيا ، أو عدوانا ، أو إثما ، أو مرضا ، أو تبرأ الأنبياء منه أو من فاعله ، أو شكوا إلى الله من فعله ، أو جاهروا فاعله بالعداوة ، أو نهوا عن الأسى والحزن عليه ، أو نصب سببا لخيبه فاعله عاجلا أو آجلا ، أو رتب عليه حرمان الجنة وما فيها ، أو نصب فاعله بأنه عدو الله أو بأن الله عدوه ، أو أعلم بحرب من الله ورسوله ، أو حمل فاعله إثم غيره ، أو قيل فيه لا ينبغي هذا ، أو لا يكون ، أو أمر بالتقوى عن السؤال عنه ، أو أمر بفعل مضاده ، أو بهجر فاعله ، أو تلاعن فاعلوه في الآخرة ، أو تبرأ بعضهم من بعض ، أو دعا بعضهم على بعض ، أو وصف فاعله بالضلالة ، أو أنه ليس من الله في شيء ، أو ليس من الرسول وأصحابه ، أو جعل اجتنابه سببا للفلاح ، أو جعله سببا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين ، أو قيل هل أنت منته ، أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله أو [ ص: 23 ] رتب عليه إبعادا ، أو طردا ، أو لفظة ، قتل من فعله ، أو قاتله الله ، أو أخبر أن فاعله لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه ولا يصلح عمله ولا يهدي كيده ، أو لا يفلح ، أو قيض له الشيطان ، أو جعل سببا لإزاغة قلب فاعله ، أو صرفه عن آيات الله وسؤاله عن علة الفعل ، فهو دليل المنع ودلالته على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة.
وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال ونفي الجناح والحرام والإثم والمؤاخذة ، ومن الإذن فيه والعفو عنه ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع. ومن السكوت عن التحريم ، ومن الإنكار على من حرم الشيء ، ومن الإخبار بأنه خلق أو جعل لنا ، والإخبار عن فعل من قبلنا غير ذام لهم عليه ، فإن اقترن بالإخبار مدح دل على مشروعيته وجوابا أو استحبابا. انتهى.
[ ص: 24 ]