فصل وهو سبحانه وتعالى كما يفرق بين الأمور المختلفة فإنه يجمع ويسوي بين الأمور المتماثلة فيحكم في الشيء خلقا وأمرا بحكم مثله لا يفرق بين متماثلين ولا يسوي بين شيئين غير متماثلين ; بل إن كانا مختلفين متضادين لم يسو بينهما .
nindex.php?page=treesubj&link=29572ولفظ " الاختلاف " في القرآن يراد به التضاد والتعارض ; لا يراد به مجرد عدم التماثل - كما هو اصطلاح كثير من النظار - ومنه قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=579&ayano=4ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4734&ayano=51إنكم لفي قول مختلف } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4735&ayano=51يؤفك عنه من أفك } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=262&ayano=2ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر } . وقد بين سبحانه وتعالى أن السنة لا تتبدل ولا تتحول في غير
[ ص: 20 ] موضع
nindex.php?page=treesubj&link=21369و " السنة " هي العادة التي تتضمن أن يفعل في الثاني مثل ما فعل بنظيره الأول ; ولهذا أمر سبحانه وتعالى بالاعتبار وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1719&ayano=12لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } .
nindex.php?page=treesubj&link=29572_28957_28960والاعتبار أن يقرن الشيء بمثله فيعلم أن حكمه مثل حكمه كما قال
ابن عباس : هلا اعتبرتم الأصابع بالأسنان ؟ فإذا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5187&ayano=59فاعتبروا يا أولي الأبصار } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1719&ayano=12لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } أفاد أن من عمل مثل أعمالهم جوزي مثل جزائهم ; ليحذر أن يعمل مثل أعمال الكفار ; وليرغب في أن يعمل مثل أعمال المؤمنين أتباع الأنبياء قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=433&ayano=3قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2122&ayano=17وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2123&ayano=17سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3626&ayano=33لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3627&ayano=33ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3628&ayano=33سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا } وهذه الآية أنزلها الله قبل الأحزاب وظهور الإسلام وذل المنافقين فلم يستطيعوا أن يظهروا بعد هذا ما كانوا يظهرونه قبل ذلك قبل بدر وبعدها وقبل أحد وبعدها فأخفوا النفاق وكتموه ; فلهذا لم
[ ص: 21 ] يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم . وبهذا يجيب من لم يقتل الزنادقة . ويقول : إذا أخفوا زندقتهم لم يمكن قتلهم ولكن إذا أظهروها قتلوا بهذه الآية ; بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3627&ayano=33ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3628&ayano=33سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا } قال
قتادة : ذكر لنا أن المنافقين كانوا يظهرون ما في أنفسهم من النفاق ; فأوعدهم الله بهذه الآية فلما أوعدهم بهذه الآية أسروا ذلك وكتموه {
nindex.php?page=tafseer&surano=3628&ayano=33سنة الله في الذين خلوا من قبل } يقول : هكذا سنة الله فيهم إذا أظهروا النفاق .
قال
مقاتل بن حيان : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3628&ayano=33سنة الله في الذين خلوا من قبل } يعني كما قتل أهل بدر وأسروا فذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3628&ayano=33سنة الله في الذين خلوا من قبل } . قال
السدي : كان
nindex.php?page=treesubj&link=28843النفاق على " ثلاثة أوجه " : " نفاق " مثل نفاق
عبد الله بن أبي وعبد الله بن نفيل ومالك بن داعس فكان هؤلاء وجوها من وجوه
الأنصار فكانوا يستحيون أن يأتوا الزنا يصونون بذلك أنفسهم . {
nindex.php?page=tafseer&surano=3626&ayano=8والذين في قلوبهم مرض } قال : الزناة . إن وجدوه عملوا به وإن لم يجدوه لم يتبعوه . و " نفاق " يكابرون النساء مكابرة . وهم هؤلاء الذين يجلسون
[ ص: 22 ] على الطريق ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3627&ayano=33ملعونين } ثم فصلت الآية {
nindex.php?page=tafseer&surano=3627&ayano=3أين ما ثقفوا } يعملون هذا العمل مكابرة النساء . قال
السدي : هذا حكم في القرآن ليس يعمل به لو أن رجلا أو أكثر من ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28928_9909_9916_10392اقتصوا أثر امرأة فغلبوها على نفسها ففجروا بها كان الحكم فيهم غير الجلد والرجم ; أن يؤخذوا فتضرب أعناقهم . قال
السدي : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5214&ayano=2سنة } كذلك كان يفعل بمن مضى من الأمم . قال : فمن
nindex.php?page=treesubj&link=23628_10379كابر امرأة على نفسها فقتل فليس على قاتله دية لأنه مكابر . قلت : هذا على وجهين : " أحدهما " أن يقتل دفعا لصوله عنها مثل أن يقهرها فهذا دخل في قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597437من قتل دون حرمته فهو شهيد } وهذه لها أن تدفعه بالقتل ; لكن إذا طاوعت ففيه نزاع وتفصيل وفيه قضيتان من
عمر وعلي معروفتان وأما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=9917_9522_9916_9909_26718_9839فجر بها مستكرها ولم تجد من يعينها عليه فهؤلاء نوعان : " أحدهما " أن يكون له شوكة كالمحاربين لأخذ المال وهؤلاء محاربون للفاحشة فيقتلوا . قال
السدي قد قاله غيره . وذكر
أبو اللوبي أن هذه جرت عنده ورأى أن هؤلاء أحق بأن يكونوا محاربين . و " الثاني " أن لا يكونوا ذوي شوكة بل يفعلون ذلك غيلة
[ ص: 23 ] واحتيالا حتى إذا صارت عندهم المرأة أكرهوها فهذا المحارب غيلة كما قال
السدي . يقتل أيضا وإن كانوا جماعة في المصر فهم كالمحاربين في المصر وهذه المسائل لها مواضع أخر .
و " المقصود " أن الله أخبر أن سنته لن تبدل ولن تتحول وسنته عادته التي يسوي فيها بين الشيء وبين نظيره الماضي وهذا يقتضي أنه سبحانه يحكم في الأمور المتماثلة بأحكام متماثلة ; ولهذا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4943&ayano=54أكفاركم خير من أولئكم } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3847&ayano=37احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } أي أشباههم ونظراءهم وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5888&ayano=81وإذا النفوس زوجت } قرن النظير بنظيره وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=223&ayano=2أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5214&ayano=60قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1344&ayano=9والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } . فجعل التابعين لهم بإحسان مشاركين لهم فيما ذكر من الرضوان والجنة وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1243&ayano=8والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5195&ayano=59والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5242&ayano=62وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم } فمن اتبع السابقين الأولين كان منهم وهم خير الناس بعد الأنبياء فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28974أمة محمد خير أمة أخرجت للناس وأولئك خير أمة
محمد كما ثبت في الصحاح من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18601خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم } . ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خيرا وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله كالتفسير وأصول الدين وفروعه والزهد والعبادة والأخلاق والجهاد وغير ذلك ; فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم . وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوما وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم فيمكن طلب الحق في بعض أقاويلهم ولا يحكم بخطأ قول من أقوالهم حتى يعرف دلالة الكتاب والسنة على خلافه قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=556&ayano=4أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } .
وأما المتأخرون الذين لم يتحروا متابعتهم وسلوك سبيلهم ولا لهم خبرة بأقوالهم وأفعالهم بل هم في كثير مما يتكلمون به في العلم ويعملون به لا يعرفون طريق
الصحابة والتابعين في ذلك من
أهل الكلام والرأي والزهد والتصوف . فهؤلاء تجد عمدتهم في كثير من الأمور المهمة في الدين إنما هو عما يظنونه من الإجماع وهم لا يعرفون في ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=22353_21687_22531_29614أقوال السلف ألبتة أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائرها فتارة يحكون الإجماع ولا يعلمون إلا قولهم وقول من ينازعهم من الطوائف المتأخرين ; طائفة أو طائفتين أو ثلاث وتارة عرفوا أقوال بعض
السلف ، والأول كثير في " مسائل أصول الدين وفروعه " كما تجد كتب
أهل الكلام مشحونة بذلك يحكون إجماعا ونزاعا ولا يعرفون ما قال
السلف في ذلك ألبتة ; بل قد يكون قول
السلف خارجا عن أقوالهم كما تجد ذلك في مسائل أقوال الله وأفعاله وصفاته ; مثل مسألة القرآن والرؤية والقدر وغير ذلك . وهم إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع فإنه لو أمكن العلم بإجماع المسلمين لم يكن هؤلاء من أهل العلم به ; لعدم علمهم بأقوال
السلف فكيف إذا كان المسلمون يتعذر القطع
[ ص: 26 ] بإجماعهم في مسائل النزاع بخلاف
السلف فإنه يمكن العلم بإجماعهم كثيرا . وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغا لم يخالف إجماعا ; لأن كثيرا من أصول المتأخرين محدث مبتدع في الإسلام مسبوق بإجماع
السلف على خلافه
nindex.php?page=treesubj&link=28452_21619_21686_21688والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا كخلاف
الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة ممن قد اشتهرت لهم أقوال خالفوا فيها النصوص المستفيضة المعلومة وإجماع
الصحابة . بخلاف ما يعرف من نزاع
السلف فإنه لا يمكن أن يقال : إنه خلاف الإجماع وإنما يرد بالنص وإذا قيل : قد أجمع
التابعون على أحد قوليهم فارتفع النزاع . فمثل هذا مبني على مقدمتين : " إحداهما " العلم بأنه لم يبق في الأمة من يقول بقول الآخر وهذا متعذر .
" الثانية " أن مثل هذا هل يرفع النزاع مشهور فنزاع
السلف [ ص: 27 ] يمكن القول به إذا كان معه حجة ; إذ على خلافه ، ونزاع المتأخرين لا يمكن لأن كثيرا منه قد تقدم الإجماع على خلافه كما دلت النصوص على خلافه
nindex.php?page=treesubj&link=21619ومخالفة إجماع السلف خطأ قطعا . و " أيضا " فلم يبق مسألة في الدين إلا وقد تكلم فيها
السلف فلا بد أن يكون لهم قول يخالف ذلك القول أو يوافقه وقد بسطنا في غير هذا الموضع أن الصواب في أقوالهم أكثر وأحسن وأن خطأهم أخف من خطأ المتأخرين وأن المتأخرين أكثر خطأ وأفحش وهذا في جميع علوم الدين ; ولهذا أمثلة كثيرة يضيق هذا الموضع عن استقصائها والله سبحانه أعلم .
فَصْلٌ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْمُخْتَلِفَةِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ وَيُسَوِّي بَيْنَ الْأُمُورِ الْمُتَمَاثِلَةِ فَيَحْكُمُ فِي الشَّيْءِ خَلْقًا وَأَمْرًا بِحُكْمِ مِثْلِهِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ وَلَا يُسَوِّي بَيْنَ شَيْئَيْنِ غَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ ; بَلْ إنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَهُمَا .
nindex.php?page=treesubj&link=29572وَلَفْظُ " الِاخْتِلَافِ " فِي الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهِ التَّضَادُّ وَالتَّعَارُضُ ; لَا يُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ عَدَمِ التَّمَاثُلِ - كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنْ النُّظَّارِ - وَمِنْهُ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=579&ayano=4وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4734&ayano=51إنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4735&ayano=51يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=262&ayano=2وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ } . وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَبَدَّلُ وَلَا تَتَحَوَّلُ فِي غَيْرِ
[ ص: 20 ] مَوْضِعٍ
nindex.php?page=treesubj&link=21369وَ " السُّنَّةُ " هِيَ الْعَادَةُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أَنْ يَفْعَلَ فِي الثَّانِي مِثْلَ مَا فَعَلَ بِنَظِيرِهِ الْأَوَّلِ ; وَلِهَذَا أَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالِاعْتِبَارِ وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1719&ayano=12لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } .
nindex.php?page=treesubj&link=29572_28957_28960وَالِاعْتِبَارُ أَنْ يُقْرَنَ الشَّيْءُ بِمِثْلِهِ فَيُعْلَمَ أَنَّ حُكْمَهُ مِثْلُ حُكْمِهِ كَمَا قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : هَلَّا اعْتَبَرْتُمْ الْأَصَابِعَ بِالْأَسْنَانِ ؟ فَإِذَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5187&ayano=59فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1719&ayano=12لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } أَفَادَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَ أَعْمَالِهِمْ جُوزِيَ مِثْلَ جَزَائِهِمْ ; لِيَحْذَرَ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ ; وَلِيَرْغَبَ فِي أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=433&ayano=3قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2122&ayano=17وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إلَّا قَلِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2123&ayano=17سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3626&ayano=33لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3627&ayano=33مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3628&ayano=33سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } وَهَذِهِ الْآيَةُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ قَبْلَ الْأَحْزَابِ وَظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَذُلِّ الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُظْهِرُوا بَعْدَ هَذَا مَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ أُحُدٍ وَبَعْدَهَا فَأَخْفَوْا النِّفَاقَ وَكَتَمُوهُ ; فَلِهَذَا لَمْ
[ ص: 21 ] يَقْتُلْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِهَذَا يُجِيبُ مَنْ لَمْ يَقْتُلْ الزَّنَادِقَةَ . وَيَقُولُ : إذَا أَخْفَوْا زَنْدَقَتَهُمْ لَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهُمْ وَلَكِنْ إذَا أَظْهَرُوهَا قُتِلُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ ; بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3627&ayano=33مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3628&ayano=33سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } قَالَ
قتادة : ذَكَرَ لَنَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُظْهِرُونَ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ النِّفَاقِ ; فَأَوْعَدَهُمْ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَلَمَّا أَوْعَدَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَسَرُّوا ذَلِكَ وَكَتَمُوهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3628&ayano=33سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ } يَقُولُ : هَكَذَا سُنَّةُ اللَّهِ فِيهِمْ إذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ .
قَالَ
مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3628&ayano=33سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ } يَعْنِي كَمَا قُتِلَ أَهْلُ بَدْرٍ وَأُسِرُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3628&ayano=33سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ } . قَالَ
السدي : كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=28843النِّفَاقُ عَلَى " ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ " : " نِفَاقٌ " مِثْلُ نِفَاقِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نفيل وَمَالِكِ بْنِ دَاعِسٍ فَكَانَ هَؤُلَاءِ وُجُوهًا مِنْ وُجُوهِ
الْأَنْصَارِ فَكَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَأْتُوا الزِّنَا يَصُونُونَ بِذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ . {
nindex.php?page=tafseer&surano=3626&ayano=8وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } قَالَ : الزُّنَاةُ . إنْ وَجَدُوهُ عَمِلُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدُوهُ لَمْ يَتَّبِعُوهُ . وَ " نِفَاقٌ " يُكَابِرُونَ النِّسَاءَ مُكَابَرَةً . وَهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ
[ ص: 22 ] عَلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3627&ayano=33مَلْعُونِينَ } ثُمَّ فَصَّلَتْ الْآيَةُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3627&ayano=3أَيْنَ مَا ثُقِفُوا } يَعْمَلُونَ هَذَا الْعَمَلَ مُكَابَرَةَ النِّسَاءِ . قَالَ
السدي : هَذَا حُكْمٌ فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ يُعْمَلُ بِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28928_9909_9916_10392اقْتَصُّوا أَثَرَ امْرَأَةٍ فَغَلَبُوهَا عَلَى نَفْسِهَا فَفَجَرُوا بِهَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهِمْ غَيْرَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ ; أَنْ يُؤْخَذُوا فَتُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ . قَالَ
السدي : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5214&ayano=2سَنَةٍ } كَذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ بِمَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَمِ . قَالَ : فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23628_10379كَابَرَ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا فَقُتِلَ فَلَيْسَ عَلَى قَاتِلِهِ دِيَةٌ لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ . قُلْت : هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ : " أَحَدُهُمَا " أَنْ يُقْتَلَ دَفْعًا لِصَوْلِهِ عَنْهَا مِثْلَ أَنْ يَقْهَرَهَا فَهَذَا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597437مَنْ قُتِلَ دُونَ حُرْمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ } وَهَذِهِ لَهَا أَنْ تَدْفَعَهُ بِالْقَتْلِ ; لَكِنْ إذَا طَاوَعَتْ فَفِيهِ نِزَاعٌ وَتَفْصِيلٌ وَفِيهِ قَضِيَّتَانِ مِنْ
عُمَرَ وَعَلِيٍّ مَعْرُوفَتَانِ وَأَمَّا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=9917_9522_9916_9909_26718_9839فَجَرَ بِهَا مُسْتَكْرِهًا وَلَمْ تَجِدْ مَنْ يُعِينُهَا عَلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ نَوْعَانِ : " أَحَدُهُمَا " أَنْ يَكُونَ لَهُ شَوْكَةٌ كَالْمُحَارِبِينَ لِأَخْذِ الْمَالِ وَهَؤُلَاءِ مُحَارِبُونَ لِلْفَاحِشَةِ فَيُقْتَلُوا . قَالَ
السدي قَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ . وَذَكَرَ
أَبُو اللوبي أَنَّ هَذِهِ جَرَتْ عِنْدَهُ وَرَأَى أَنَّ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونُوا مُحَارَبِينَ . وَ " الثَّانِي " أَنْ لَا يَكُونُوا ذَوِي شَوْكَةٍ بَلْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ غِيلَةً
[ ص: 23 ] وَاحْتِيَالًا حَتَّى إذَا صَارَتْ عِنْدَهُمْ الْمَرْأَةُ أَكْرَهُوهَا فَهَذَا الْمُحَارِبُ غِيلَةً كَمَا قَالَ
السدي . يُقْتَلُ أَيْضًا وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فِي الْمِصْرِ فَهُمْ كَالْمُحَارَبِينَ فِي الْمِصْرِ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لَهَا مَوَاضِعُ أُخَرُ .
وَ " الْمَقْصُودُ " أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ سُنَّتَهُ لَنْ تُبَدَّلَ وَلَنْ تَتَحَوَّلَ وَسُنَّتُهُ عَادَتُهُ الَّتِي يُسَوِّي فِيهَا بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ الْمَاضِي وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَحْكُمُ فِي الْأُمُورِ الْمُتَمَاثِلَةِ بِأَحْكَامِ مُتَمَاثِلَةٍ ; وَلِهَذَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4943&ayano=54أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3847&ayano=37احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } أَيْ أَشْبَاهَهُمْ وَنُظَرَاءَهُمْ وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5888&ayano=81وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قَرَنَ النَّظِيرَ بِنَظِيرِهِ وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=223&ayano=2أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5214&ayano=60قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1344&ayano=9وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } . فَجَعَلَ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ مُشَارِكِينَ لَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الرِّضْوَانِ وَالْجَنَّةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1243&ayano=8وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5195&ayano=59وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5242&ayano=62وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فَمَنْ اتَّبَعَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ كَانَ مِنْهُمْ وَهُمْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28974أُمَّةَ مُحَمَّدٍ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَأُولَئِكَ خَيْرُ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18601خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } . وَلِهَذَا كَانَ مَعْرِفَةُ أَقْوَالِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَأَعْمَالِهِمْ خَيْرًا وَأَنْفَعَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَقْوَالِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَعْمَالِهِمْ فِي جَمِيعِ عُلُومِ الدِّينِ وَأَعْمَالِهِ كَالتَّفْسِيرِ وَأُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ خَيْرٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ بَعْدَهُمْ وَمَعْرِفَةُ إجْمَاعِهِمْ وَنِزَاعِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ خَيْرٌ وَأَنْفَعُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا يُذْكَرُ مِنْ إجْمَاعِ غَيْرِهِمْ وَنِزَاعِهِمْ . وَذَلِكَ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَا يَكُونُ إلَّا مَعْصُومًا وَإِذَا تَنَازَعُوا فَالْحَقُّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ فَيُمْكِنُ طَلَبُ الْحَقِّ فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِمْ وَلَا يُحْكَمُ بِخَطَأِ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ دَلَالَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=556&ayano=4أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } .
وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ لَمْ يَتَحَرَّوْا مُتَابَعَتَهُمْ وَسُلُوكَ سَبِيلِهِمْ وَلَا لَهُمْ خِبْرَةٌ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ بَلْ هُمْ فِي كَثِيرٍ مِمَّا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي الْعِلْمِ وَيَعْمَلُونَ بِهِ لَا يَعْرِفُونَ طَرِيقَ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ مِنْ
أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ وَالزُّهْدِ وَالتَّصَوُّفِ . فَهَؤُلَاءِ تَجِدُ عُمْدَتَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ فِي الدِّينِ إنَّمَا هُوَ عَمَّا يَظُنُّونَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=22353_21687_22531_29614أَقْوَالَ السَّلَفِ أَلْبَتَّةَ أَوْ عَرَفُوا بَعْضَهَا وَلَمْ يَعْرِفُوا سَائِرَهَا فَتَارَةً يَحْكُونَ الْإِجْمَاعَ وَلَا يَعْلَمُونَ إلَّا قَوْلَهُمْ وَقَوْلَ مَنْ يُنَازِعُهُمْ مِنْ الطَّوَائِفِ الْمُتَأَخِّرِينَ ; طَائِفَةٍ أَوْ طَائِفَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَتَارَةً عَرَفُوا أَقْوَالَ بَعْضِ
السَّلَفِ ، وَالْأَوَّلُ كَثِيرٌ فِي " مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ " كَمَا تَجِدُ كُتُبَ
أَهْلِ الْكَلَامِ مَشْحُونَةً بِذَلِكَ يَحْكُونَ إجْمَاعًا وَنِزَاعًا وَلَا يَعْرِفُونَ مَا قَالَ
السَّلَفُ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ ; بَلْ قَدْ يَكُونُ قَوْلُ
السَّلَفِ خَارِجًا عَنْ أَقْوَالِهِمْ كَمَا تَجِدُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ أَقْوَالِ اللَّهِ وَأَفْعَالِهِ وَصِفَاتِهِ ; مِثْلَ مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْقَدَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَهُمْ إذَا ذَكَرُوا إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ بِهَذَا الْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ الْعِلْمُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ ; لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِأَقْوَالِ
السَّلَفِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ
[ ص: 26 ] بِإِجْمَاعِهِمْ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ بِخِلَافِ
السَّلَفِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِإِجْمَاعِهِمْ كَثِيرًا . وَإِذَا ذَكَرُوا نِزَاعَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَكُنْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي يَكُونُ كُلُّ قَوْلٍ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ سَائِغًا لَمْ يُخَالِفْ إجْمَاعًا ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أُصُولِ الْمُتَأَخِّرِينَ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ فِي الْإِسْلَامِ مَسْبُوقٌ بِإِجْمَاعِ
السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=28452_21619_21686_21688وَالنِّزَاعُ الْحَادِثُ بَعْدَ إجْمَاعِ السَّلَفِ خَطَأٌ قَطْعًا كَخِلَافِ
الْخَوَارِجِ وَالرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ مِمَّنْ قَدْ اشْتَهَرَتْ لَهُمْ أَقْوَالٌ خَالَفُوا فِيهَا النُّصُوصَ الْمُسْتَفِيضَةَ الْمَعْلُومَةَ وَإِجْمَاعَ
الصَّحَابَةِ . بِخِلَافِ مَا يُعْرَفُ مِنْ نِزَاعِ
السَّلَفِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يُرَدُّ بِالنَّصِّ وَإِذَا قِيلَ : قَدْ أَجْمَعَ
التَّابِعُونَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ فَارْتَفَعَ النِّزَاعُ . فَمِثْلُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ : " إحْدَاهُمَا " الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِ الْآخَرِ وَهَذَا مُتَعَذِّرٌ .
" الثَّانِيَةُ " أَنَّ مِثْلَ هَذَا هَلْ يَرْفَعُ النِّزَاعَ مَشْهُورٌ فَنِزَاعُ
السَّلَفِ [ ص: 27 ] يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ إذَا كَانَ مَعَهُ حُجَّةٌ ; إذْ عَلَى خِلَافِهِ ، وَنِزَاعُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا دَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى خِلَافِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=21619وَمُخَالَفَةُ إجْمَاعِ السَّلَفِ خَطَأٌ قَطْعًا . وَ " أَيْضًا " فَلَمْ يَبْقَ مَسْأَلَةٌ فِي الدِّينِ إلَّا وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا
السَّلَفُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قَوْلٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَوْ يُوَافِقُهُ وَقَدْ بَسَطْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الصَّوَابَ فِي أَقْوَالِهِمْ أَكْثَرُ وَأَحْسَنُ وَأَنَّ خَطَأَهُمْ أَخَفُّ مِنْ خَطَأِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَكْثَرُ خَطَأً وَأَفْحَشُ وَهَذَا فِي جَمِيعِ عُلُومِ الدِّينِ ; وَلِهَذَا أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ يَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ اسْتِقْصَائِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .