ثم قال تعالى : { ذلكم أزكى لكم وأطهر } وقال : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وقال : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } وقال في آية الاستئذان : [ ص: 384 ] { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم } وقال : { فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } وقال : { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { } وقال في دعاء الجنازة : { اللهم طهر قلبي من خطاياي بالماء والثلج والبرد } . واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
فالطهارة - والله أعلم - هي من الذنوب التي هي رجس والزكاة تتضمن معنى الطهارة التي هي عدم الذنوب ومعنى النماء بالأعمال الصالحة : مثل المغفرة والرحمة ومثل النجاة من العذاب والفوز بالثواب ومثل عدم الشر وحصول الخير ; فإن وقد قال تعالى : { الطهارة تكون من الأرجاس والأنجاس إنما المشركون نجس } وقال : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } وقال : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } وقال عن المنافقين : { فأعرضوا عنهم إنهم رجس } .
وقال عن قوم لوط : { ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث } وقال اللوطية عن لوط وأهله : { أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } قال مجاهد : عن أدبار الرجال ويقال في دخول الغائط { } ومن الرجس النجس الخبيث [ ص: 385 ] المخبث وهذه النجاسة تكون من الشرك والنفاق والفواحش والظلم ونحوها وهي لا تزول إلا بالتوبة عن ترك الفاحشة وغيرها فمن تاب منها فقد تطهر وإلا فهو متنجس وإن اغتسل بالماء من الجنابة فذاك الغسل يرفع حدث الجنابة ولا يرفع عنه نجاسة الفاحشة التي قد تنجس بها قلبه وباطنه ; فإن تلك نجاسة لا يرفعها الاغتسال بالماء وإنما يرفعها الاغتسال بماء التوبة النصوح المستمرة إلى الممات . أعوذ بك من الخبث والخبائث
وهذا معنى ما رواه ابن أبي الدنيا وغيره : ثنا سويد بن سعيد ثنا مسلم بن خالد عن إسماعيل بن كثير عن مجاهد قال : لو أن الذي يعمل - يعني عمل قوم لوط - اغتسل بكل قطرة في السماء وكل قطرة في الأرض لم يزل نجسا . ورواه ابن الجوزي وروى القاسم بن خلف في " كتاب ذم اللواط " بإسناده عن أنه قال : لو أن لوطيا اغتسل بكل قطرة نزلت من السماء للقي الله غير طاهر . وقد روى الفضيل بن عياض أبو محمد الخلال عن العباس الهاشمي ذلك مرفوعا . وحديث إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود : اللوطيان لو اغتسلا بماء البحر لم يجزهما إلا أن يتوبا ورفع مثل هذا الكلام منكر ; وإنما هو معروف من كلام السلف .
وكذلك روي عن { أبي هريرة وابن عباس قالا : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته : : حشر يوم القيامة أنتن من الجيفة يتأذى به الناس حتى يدخله الله نار جهنم ويحبط الله عمله ولا يقبل منه صرفا ولا عدلا ويجعل في تابوت من نار ويسمر عليه بمسامير من حديد فتشك تلك المسامير في وجهه وجسده من نكح امرأة في دبرها [ ص: 386 ] أو غلاما أو رجلا } قال : هذا لمن لم يتب وذلك أن تارك اللواط متطهر كما دل عليه القرآن ففاعله غير متطهر من ذلك فيكون متنجسا ; فإن ضد الطهارة النجاسة ; لكن النجاسة أنواع مختلفة : تختلف أحكامها . أبو هريرة
ومن هاهنا غلط بعض الناس من الفقهاء ; فإنهم لما رأوا ما دل عليه القرآن من طلب طهارة الجنب بقوله : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } قالوا : فيكون الجنب نجسا وقد ثبت في الصحيح من حديث : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } لما انخنس منه وهو جنب وكره أن يجالسه فهذه النجاسة التي نفاها النبي صلى الله عليه وسلم هي نجاسة الطهارة بالماء التي ظنها إن المؤمن لا ينجس والجنابة تمنع الملائكة أن تدخل بيتا فيه جنب وقال أبو هريرة أحمد : إذا وضع الجنب يده في ماء قليل أنجس الماء فظن بعض أصحابه أنه أراد النجاسة الحسية وإنما أراد الحكمية فإن الفرع لا يكون أقوى من الأصل ولا يكون الماء أعظم من البدن ; بل غايته أن يقوم به المانع الذي قام بالبدن والجنب ظاهره ممنوع من الصلاة فيكون الماء كذلك طاهرا يتوضأ به للصلاة .