[ ص: 178 ] وقال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله فصل في والنزاع في ذوات الأسباب وغيرها . فإن للناس في هذا الباب اضطرابا كثيرا . أوقات النهي
فنقول : قد ثبت بالنص والإجماع أن النهي ليس عاما لجميع الصلوات فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } وكلها صحيحة وكذلك قال : { من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك وفي لفظ فليصل إليها أخرى وفي لفظ فيتم صلاته وفي لفظ سجدة } وفي هذا أمره بالركعة الثانية من الفجر عند طلوع الشمس . من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك وفي لفظ : فليتم صلاته وفي لفظ فليصل إليها أخرى وفي لفظ : سجدة
وفيه أنه إذا صحت [ ص: 179 ] تلك الركعة وهو مأمور بأن يصل إليها أخرى . وهذا الثاني مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء . صلى ركعة من العصر عند غروب الشمس
وأما الأول : فهو قول جمهور العلماء يروى عن علي وغير واحد من الصحابة والتابعين وعلى هذا مجموع الصحابة فقد ثبت أن أبا بكر الصديق قرأ في الفجر بسورة البقرة فلما سلم قيل له : كادت الشمس تطلع فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين .
فهذا خطاب الصديق للصحابة يبين أنها لو طلعت لم يضرهم ذلك ولم تجدهم غافلين بل وجدتهم ذاكرين الله ممتثلين لقوله : { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين } وهذا القول مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر .
وهؤلاء يقولون : يقضي ما نام عنه أو نسيه في أوقات النهي ولكن أبو حنيفة ومن وافقه يقولون : تفسد صلاته لأنها صارت فائتة والفوات عندهم لا يقضى في أوقات النهي بخلاف عصر يومه فإنها حاضرة مفعولة في وقتها .
واحتجوا بتأخير الصلاة يوم نام هو وأصحابه عنها حتى طلعت [ ص: 180 ] الشمس . وأجاب الجمهور بوجوه . أحدها : أن التأخير كان لأجل المكان ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } . هذا واد حضرنا فيه الشيطان
الثاني : أنه دليل على الجواز لا على الوجوب .
الثالث : أن هذا غايته أن يكون فيمن ابتدأ قضاء الفائتة . أما من فقد أدرك الوقت . كما قال : { صلى ركعة قبل طلوع الشمس } والثانية تفعل تبعا كما يفعله المسبوق إذا أدرك ركعة . قالوا : وهذا أولى بالعذر من العصر إلى الغروب ; لأن الغروب مشهود يمكنه أن يصلي قبله . وأما الطلوع فهو قبل أن تطلع لا يعلم متى تطلع . فإذا صلى صلى في الوقت ; ولهذا لا يأثم من أخر الصلاة حتى يفرغ منها قبل الطلوع كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث المواقيت " أنه سلم في اليوم الثاني والقائل يقول : قد طلعت الشمس أو كادت " . وقال في الحديث الصحيح : { فقد أدرك } وقال : { وقت الفجر ما لم تطلع الشمس } وفي لفظ : { وقت العصر ما لم تصفر الشمس } فمن ما لم تضيف للغروب فلا إثم عليه ومن صلى قبل طلوع الشمس جميع صلاة الفجر فهو آثم . كما في الحديث الصحيح { صلى العصر وقت الغروب من غير عذر } . تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق ; يرقب الشمس حتى [ ص: 181 ] إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا
لكن جعله الرسول مدركا للوقت وهو وقت الضرورة في مثل النائم إذا استيقظ والحائض إذا طهرت والكافر إذا أسلم والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا فأما من أمكنه قبل ذلك فهو آثم بالتأخير إليه وهو من المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ولكن فعلها في ذلك الوقت خير من تفويتها ; فإن تفويتها من الكبائر .
وفي الصحيحين عنه أنه قال : { } وأما المصلي قبل طلوع الشمس فلا إثم عليه فإذا كان من صلى ركعة بعد غروب الشمس فمن صلى ركعة قبل طلوعها أو قد صلاها قبل أن يطلع شيء منها فهو وقولهم : إن ذلك يصلي الثانية في وقت جواز بعد الغروب بخلاف الأول . فإنه يصلي الثانية وقت نهي . يقال : الكلام في الأمرين لم جوزتم له أن يصلي العصر وقت النهي مع أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 182 ] إنما جعل وقت العصر ما لم تغرب الشمس أو تضيف للغروب ولم تجوزوا فعل الفجر وقت النهي ؟ الثاني : أن مصلي العصر وإن صلى الثانية في غير وقت نهي فمصلي الفجر صلى الأولى في غير وقت نهي ثم إنه ترجح عليه بأنه صلى الأولى في وقتها بلا ذم ولا نهي ; بخلاف مصلي العصر فإنه إنما صلى الأولى مع الذم والنهي . من فاتته الصلاة : صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله
وبكل حال فقد دل الحديث واتفاقهم : على أنه لم ينه عن كل صلاة ; بل عصر يومه تفعل وقت النهي بالنص واتفاقهم . وكذلك الثانية من الفجر تفعل بالنص مع قول الجمهور . فإن قيل فهو مذموم على صلاة العصر وقت النهي فكيف يقولون : لم ينه قبل الذم ؟ إنما هو لتأخيرها إلى هذا الوقت ثم إذا عصى بالتأخير أمر أن يصليها في هذا الوقت ولا يفوتها فإن التفويت أعظم إثما ; ولا يجوز بحال من الأحوال وكان أن يصليها مع نوع من الإثم خيرا من أن يفوتها فيلزمه من الإثم ما هو أعظم من ذلك .
والشارع دائما يرجح خير الخيرين بتفويت أدناهما ; ويدفع شر الشرين بالتزام أدناهما وهذا كمن معه ماء في السفر هو محتاج إليه لطهارته يؤمر بأن يتطهر به فإن أراقه عصى وأمر بالتيمم وكانت صلاته [ ص: 183 ] بالتيمم خيرا من تفويت الصلاة ; لكن في وجوب الإعادة عليه قولان هما وجهان في مذهب أحمد وغيره .
ومفوت الوقت لا تمكنه الإعادة . كما قد بسط في غير هذا الموضع . وبكل حال فقد دل النص مع اتفاقهم على أن النهي ليس شاملا لكل صلاة وقد احتج الجمهور على بقوله في الحديث الصحيح المتفق عليه : { قضاء الفوائت في وقت النهي } وفي حديث من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك أبي قتادة المتفق عليه واللفظ لمسلم : { } فقد أمره بالصلاة حين ينتبه وحين يذكر وهذا يتناول كل وقت . ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة : على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها
وهذا العموم أولى من عموم النهي ; لأنه قد ثبت أن ذاك لم يتناول الفرض ; لا أداء ولا قضاء لم يتناول عصر يومه ولم يتناول الركعة الثانية من الفجر ; ولأنه إذا استيقظ أو ذكر فهو وقت تلك الصلاة فكان فعلها في وقتها كفعل عصر يومه في وقتها مع أن هذا معذور وذاك غير معذور لكن يقال : هذا المفوت لو أخرها حتى يزول وقت النهي لم يحصل له تفويت ثان بخلاف العصر فإنه لو لم يصلها لفاتت وكذلك الثانية من الفجر .
[ ص: 184 ] فيقال : هذا يقتضي جواز تأخيرها لمصلحة راجحة كما أخرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال : { } ومثل أن يؤخرها حتى يتطهر غيره ويصلوها جماعة كما صلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر لما ناموا عنها بخلاف الفجر والعصر الحاضرة فإنه لا يجوز تفويتها بحال من الأحوال . هذا واد حضرنا فيه الشيطان
وهذا الذي بيناه يقتضي أنه لا عموم لوقت طلوع الشمس ووقت غروبها فغيرهما من المواقيت أولى وأحرى .