الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل رحمه الله تعالى هل التبليغ وراء الإمام كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أو في شيء من زمن الخلفاء الراشدين ؟ فإن لم يكن فمع الأمن من إخلال شيء من متابعة الإمام والطمأنينة المشروعة واتصال الصفوف والاستماع للإمام من وراءه إن وقع خلل مما ذكر هل يطلق على فاعله البدعة ؟ وهل ذهب أحد من علماء المسلمين إلى بطلان صلاته بذلك ؟ وما حكم من اعتقد ذلك قربة فعله أو لم يفعله بعد التعريف ؟ .

                التالي السابق


                فأجاب : لم يكن التبليغ والتكبير ورفع الصوت بالتحميد والتسليم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على عهد خلفائه ولا بعد ذلك بزمان طويل إلا مرتين : مرة صرع النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس ركبه فصلى في بيته قاعدا فبلغ أبو بكر عنه التكبير . كذا رواه مسلم في صحيحه . ومرة أخرى في مرض موته بلغ عنه أبو بكر وهذا مشهور .

                [ ص: 401 ] مع أن ظاهر مذهب الإمام أحمد أن هذه الصلاة كان أبو بكر مؤتما فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان إماما للناس فيكون تبليغ أبي بكر إماما للناس وإن كان مؤتما بالنبي صلى الله عليه وسلم وهكذا قالت عائشة رضي الله عنها : { كان الناس يأتمون بأبي بكر وأبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم } . ولم يذكر أحد من العلماء تبليغا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هاتين المرتين ; لمرضه .

                والعلماء المصنفون لما احتاجوا أن يستدلوا على جواز التبليغ لحاجة لم يكن عندهم سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا وهذا يعلمه علما يقينيا من له خبرة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                ولا خلاف بين العلماء أن هذا التبليغ لغير حاجة ليس بمستحب بل صرح كثير منهم أنه مكروه . ومنهم من قال : تبطل صلاة فاعله وهذا موجود في مذهب مالك وأحمد وغيره . وأما الحاجة لبعد المأموم أو لضعف الإمام وغير ذلك فقد اختلفوا فيه في هذه والمعروف عند أصحاب أحمد أنه جائز في هذا الحال وهو أصح قولي أصحاب مالك وبلغني أن أحمد توقف في ذلك وحيث جاز ولم يبطل فيشترط أن لا يخل بشيء من واجبات الصلاة .

                [ ص: 402 ] فأما إن كان المبلغ لا يطمئن بطلت صلاته عند عامة العلماء كما دلت عليه السنة وإن كان أيضا يسبق الإمام بطلت صلاته في ظاهر مذهب أحمد . وهو الذي دلت عليه السنة وأقوال الصحابة وإن كان يخل بالذكر المفعول في الركوع والسجود والتسبيح ونحوه ففي بطلان الصلاة خلاف . وظاهر مذهب أحمد أنها تبطل ولا ريب أن التبليغ لغير حاجة بدعة ومن اعتقده قربة مطلقة فلا ريب أنه إما جاهل وإما معاند وإلا فجميع العلماء من الطوائف قد ذكروا ذلك في كتبهم حتى في المختصرات . قالوا : ولا يجهر بشيء من التكبير . إلا أن يكون إماما ومن أصر على اعتقاد كونه قربة فإنه يعزر على ذلك لمخالفته الإجماع هذا أقل أحواله والله أعلم .




                الخدمات العلمية