[ ص: 109 ] وقال شيخ الإسلام رحمه الله فصل في " " وهو أخذ الزينة عند كل مسجد : الذي يسميه الفقهاء : ( باب ستر العورة في الصلاة فإن طائفة من الفقهاء ظنوا أن الذي يستر في الصلاة هو الذي يستر عن أعين الناظرين وهو العورة وأخذ ما يستر في الصلاة من قوله : { اللباس في الصلاة ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن } ثم قال { ولا يبدين زينتهن } يعني الباطنة { إلا لبعولتهن } الآية .
فقال : يجوز لها في الصلاة أن تبدي الزينة الظاهرة دون الباطنة . والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين فقال : ابن مسعود ومن وافقه ; هي الثياب وقال ابن عباس ومن وافقه : هي في الوجه واليدين مثل الكحل والخاتم . وعلى هذين القولين تنازع الفقهاء في . فقيل : يجوز النظر لغير شهوة إلى وجهها ويديها وهو مذهب النظر إلى المرأة الأجنبية أبي حنيفة والشافعي وقول في مذهب أحمد .
[ ص: 110 ] وقيل : لا يجوز وهو ظاهر مذهب أحمد ; فإن كل شيء منها عورة حتى ظفرها . وهو قول مالك .
وحقيقة الأمر : أن الله جعل الزينة زينتين : زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم . وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين وكان حينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز لها إظهاره ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } حجب النساء عن الرجال وكان ذلك لما تزوج فأرخى الستر ومنع النساء أن ينظرن ولما اصطفى زينب بنت جحش صفية بنت حيي بعد ذلك عام خيبر قالوا : إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين . وإلا فهي مما ملكت يمينه فحجبها .
فلما أمر الله أن لا يسألن إلا من وراء حجاب وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن - و " الجلباب " هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء وتسميه العامة الإزار وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها . وقد حكى وغيره : أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا [ ص: 111 ] عينها ومن جنسه النقاب : فكن النساء ينتقبن . وفي الصحيح أن أبو عبيد فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب : كان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب فما بقي يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين فابن مسعود ذكر آخر الأمرين وابن عباس ذكر أول الأمرين .
وعلى هذا فقوله : { أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن } يدل على أن لها أن تبدي الزينة الباطنة لمملوكها . وفيه قولان : قيل المراد الإماء والإماء الكتابيات . كما قاله ابن المسيب ورجحه أحمد وغيره وقيل : هو المملوك الرجل : كما قاله ابن عباس وغيره وهو الرواية الأخرى عن أحمد .
فهذا يقتضي جواز وقد جاءت بذلك أحاديث وهذا لأجل الحاجة ; لأنها محتاجة إلى مخاطبة عبدها أكثر من حاجتها إلى رؤية الشاهد والمعامل والخاطب فإذا جاز نظر أولئك فنظر العبد أولى وليس في هذا ما يوجب أن يكون محرما يسافر بها . كغير أولي الإربة ; فإنهم يجوز لهم النظر وليسوا محارم يسافرون بها فليس كل من جاز له النظر جاز له السفر بها ولا الخلوة بها ; بل عبدها ينظر إليها للحاجة وإن كان لا يخلو بها ولا يسافر بها [ ص: 112 ] فإنه لم يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم " { نظر العبد إلى مولاته } " فإنه يجوز له أن يتزوجها إذا عتق كما يجوز لزوج أختها أن يتزوجها إذا طلق أختها والمحرم من تحرم عليه على التأبيد ; ولهذا قال لا تسافر امرأة إلا مع زوج أو ذي محرم ابن عمر : سفر المرأة مع عبدها ضيعة .
فالآية رخصت في وغيرهم وحديث السفر ليس فيه إلا ذوو المحارم وذكر في الآية نساءهن أو ما ملكت أيمانهن وغير أولي الإربة وهي لا تسافر معهم . وقوله : { إبداء الزينة لذوي المحارم أو نسائهن } قال : احتراز عن النساء المشركات . فلا تكون المشركة قابلة للمسلمة ولا تدخل معهن الحمام لكن قد كن النسوة اليهوديات يدخلن على عائشة وغيرها فيرين وجهها ويديها بخلاف الرجال فيكون هذا في الزينة الظاهرة في حق النساء الذميات وليس للذميات أن يطلعن على الزينة الباطنة ويكون الظهور والبطون بحسب ما يجوز لها إظهاره ; ولهذا كان أقاربها تبدي لهن الباطنة وللزوج خاصة ليست للأقارب .
وقوله : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } دليل على أنها تغطي العنق فيكون من الباطن لا الظاهر ما فيه من القلادة وغيرها .