فصل وللناس في أقوال : قيل بالنهي مطلقا وهو المشهور عن الصلاة نصف النهار يوم الجمعة وغيرها أحمد . وقيل : الإذن مطلقا كما اقتضاه كلام الخرقي ويروى عن مالك . وقيل : بالفرق بين الجمعة وغيرها وهو مذهب الشافعي وأباحه فيها عطاء في الشتاء دون الصيف ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عمرو بن عبسة " { } . ثم بعد طلوعها صل ، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل [ ص: 206 ] الظل بالرمح ثم اقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل
فعلل النهي حينئذ بأنه حينئذ تسجر جهنم . وفي الطلوع والغروب بمقارنة الشيطان فقال : " { } وفي الغروب قال : " { ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع فإنها تطلع بين قرني شيطان } . وأما مقارنة الشيطان لها حين الاستواء فليس في شيء من الحديث إلا في حديث ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب فإنها تغرب بين قرني شيطان الصنابحي . قال : " { } فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات . لكن إنها تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت قارنها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت قارنها وإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت قارنها الصنابحي قد قيل : إنه لم تثبت له صحبة فلم يسمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف حديث عمرو بن عبسة فإنه صحيح سمعه منه .
ويؤيد هذا أن عامة الأحاديث ليس فيها إلا النهي وقت الطلوع ووقت الغروب أو بعد الصلاتين . فدل على أن النهي نصف النهار نوع آخر له علة غير علة ذينك الوقتين .
يوضح هذا : أن الكفار يسجدون لها وقت الطلوع ووقت [ ص: 207 ] الغروب كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فأما سجودهم لها قبل الزوال فهذا لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم عنهم ولم يعلل به .
وأيضا : فإن ضبط هذا الوقت متعسر فقد ثبت في الصحيح أنه قال صلى الله عليه وسلم " { } وهذا حديث اتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول فأخبر أن شدة الحر من فيح جهنم وهذا موافق لقوله : " { إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم } وأمر بالإبراد فدل على أن الصلاة منهي عنها عند شدة الحر ; لأنه من فيح جهنم . فإنه حينئذ تسجر جهنم
ففي الصيف تسجر نصف النهار فيكون النهي عن الصلاة نصف النهار في الحر وهو يؤمر بأن يؤخر الصلاة عن الزوال حتى يبرد لكن إذا زالت الشمس فاءت الأفياء فطالت الأظلة بعد تناهي قصرها وهذا مشروع في الإبراد فلهذا كانت الصلاة جائزة من حين الزوال كما في حديث عمرو بن عبسة : " { } فدل على أن الصلاة مشروعة من حين يقبل الفيء فيفيء الظل : أي يرجع من جهة المغرب إلى جهة المشرق ويرجع في الزيادة بعد النقصان . ثم اقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل
ولهذا قالوا : إن لفظ الفيء مختص بما بعد الزوال لما فيه من [ ص: 208 ] معنى الرجوع . ولفظ الظل يتناول هذا وهذا فإنه قبل طلوع الشمس يكون الظل ممتدا كما قال تعالى : { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا } ثم إذا طلعت الشمس كانت عليه دليلا فتميز الظل عن الضحى ونسخت الشمس الظل لا تزال تنسخه وهو يقصر إلى الزوال فإذا زالت فإنه يعاد ممتدا إلى المشرق حيث ابتدأ بعد أن كان أول ما نسخته عن المشرق ثم عن المغرب ثم تفيء إلى المشرق ثم المغرب ولم يزل يمتد ويطول إلى أن تغرب فينسخ الظل جميع الشمس . فلهذا قال في حديث عمرو بن عبسة : " { } . ثم اقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل
وعلى هذا فمن رخص في الصلاة يوم الجمعة قال : إنها لا تسجر يوم الجمعة كما قد روي وقالوا : إنه لا يستحب الإبراد يوم الجمعة بل يجوز عقب الزوال بالسنة الصحيحة واتفاق الناس وفي الإبراد مشقة للخلق . ويجوز عند أحمد وغيره أن يصلي وقت الزوال كما فعله غير واحد من الصحابة فكيف يكون وقت نهي والجمعة جائزة فيه والفرائض المؤداة لا تشرع في وقت النهي لغير عذر كما قلنا في الفجر فإن هذا تناقض .
وبالجملة جواز على أصل الصلاة وقت الزوال يوم الجمعة أحمد أظهر منه على أصل غيره فإنه يجوز الجمعة وقت الزوال ولا يجعل [ ص: 209 ] ذلك وقت نهي بل قد قيل في مذهبه : أنها لا تجوز إلا في ذلك الوقت وهو الوقت الذي هو وقت نهي في غيرها . فعلم الفرق بين الجمعة وغيرها وكما أن الإبراد المأمور به في غيرها لا يؤمر به فيها بل ينهى عنه وهو معلل بأن شدة الحر من فيح جهنم فكذلك قد علل بأنه حينئذ تسجر جهنم . وهذا من جنس قوله : " { } . فإن شدة الحر من فيح جهنم
وإذا كانت مختصة بما سوى يوم الجمعة : فكذلك الأخرى وعلى مقتضى هذه العلة لا ينهى عن الصلاة وقت الزوال لا في الشتاء ولا يوم الجمعة ويؤيد ذلك ما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم " { } وهو أرجح مما احتجوا به على أن النهي في الفجر معلق بالوقت . والله أعلم . إنه نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة