[ ص: 395 ] ( فصل ) : وكذلك : إما في الشيخ الغلو في بعض المشايخ " عدي " ويونس القتي أو الحلاج وغيرهم ; بل الغلو في - رضي الله عنه - ونحوه بل الغلو في علي بن أبى طالب المسيح عليه السلام ونحوه .
فكل من غلا في حي ; أو في رجل صالح كمثل علي - رضي الله عنه - أو " عدي " أو نحوه ; أو فيمن يعتقد فيه الصلاح ; كالحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر أو يونس القتي ونحوهم وجعل فيه نوعا من الإلهية مثل أن أو يقول : كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده ; مثل أن يقول : يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك أو أنت حسبي ; أو أنا في حسبك ; أو نحو هذه الأقوال والأفعال ; التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل ، فإن الله إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لنعبد الله وحده لا شريك له ولا نجعل مع الله إلها آخر . يقول إذا ذبح شاة : باسم سيدي ، أو يعبده بالسجود له أو لغيره أو يدعوه من دون الله تعالى
[ ص: 396 ] والذين كانوا يدعون مع الله آلهة أخرى - مثل : الشمس والقمر والكواكب والعزير والمسيح والملائكة واللات والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ، ويغوث ويعوق ونسر أو غير ذلك - لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق ; أو أنها تنزل المطر أو أنها تنبت النبات وإنما كانوا يعبدون الأنبياء والملائكة والكواكب والجن والتماثيل المصورة لهؤلاء أو يعبدون قبورهم ويقولون : إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى .
ويقولون : هم شفعاؤنا عند الله ، فأرسل الله رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه لا دعاء عبادة ; ولا دعاء استغاثة .
وقال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } .
قال طائفة من السلف : كان أقوام يدعون المسيح وعزيرا والملائكة ; فقال الله لهم : هؤلاء الذين تدعونهم يتقربون إلي كما تتقربون ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي ويخافون عذابي كما تخافون عذابي ، وقال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير } { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } فأخبر سبحانه : أن ما يدعى من دون الله ليس له مثقال ذرة [ ص: 397 ] في الملك ولا شرك في الملك وأنه ليس له من الخلق عون يستعين به وأنه لا تنفع الشفاعة عنده إلا بإذنه .
وقال تعالى : { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى } وقال تعالى : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون } { قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون } وقال تعالى : { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض } الآية .
وعبادة الله وحده : هي فقال تعالى : { أصل الدين وهو التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون } وقال تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق التوحيد ويعلمه أمته حتى {
فقال : أجعلتني لله ندا ؟ بل ما شاء الله وحده } وقال : { قال له رجل : ما شاء الله وشئت . محمد ; ولكن ما شاء الله ثم شاء محمد } ونهى عن لا تقولوا : ما شاء الله وشاء فقال : { الحلف بغير الله } [ ص: 398 ] وقال : { من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت } وقال : { من حلف بغير الله فقد أشرك النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله } . لا تطروني كما أطرت
ولهذا اتفق العلماء على أنه ليس لأحد أن يحلف بمخلوق كالكعبة ونحوها .
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السجود له ولما سجد بعض أصحابه نهاه عن ذلك وقال : { لا يصلح السجود إلا لله } وقال : { } وقال لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها - رضي الله عنه - : { لمعاذ بن جبل
قال : فلا تسجد لي } . أرأيت لو مررت بقبري أكنت ساجدا له ؟ قال : لا .
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ; فقال في مرض موته : { اتخاذ القبور مساجد اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا } قالت لعن الله عائشة رضي الله عنها ولولا ذلك لأبرز قبره ; ولكن كره أن يتخذ مسجدا .
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال قبل أن يموت بخمس : { } ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا بيتي عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني ، ولا تشرع بناء المسجد على القبور ; بل كثير من العلماء يقول الصلاة عندها باطلة . الصلاة عند القبور
[ ص: 399 ] والسنة في زيارة قبور المسلمين نظير الصلاة عليهم قبل الدفن قال الله تعالى في كتابه عن المنافقين { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } فكان دليل الخطاب أن المؤمنين يصلى عليهم ويقام على قبورهم .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا : {
وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين .
نسأل الله لنا ولكم العافية .
اللهم لا تحرمنا أجرهم ; ولا تفتنا بعدهم ; واغفر لنا ولهم } . السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين .
وذلك أن من أكبر أسباب عبادة الأوثان كان ونحوها ، قال الله تعالى في كتابه : { التعظيم للقبور بالعبادة وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } .
قال طائفة من السلف : كانت هذه أسماء قوم صالحين ; فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم وعبدوها .
ولهذا اتفق العلماء على أن من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أنه لا يتمسح بحجرته ولا يقبلها لأن التقبيل والاستلام إنما يكون لأركان بيت الله الحرام فلا يشبه بيت المخلوق ببيت الخالق .
وكذلك الطواف والصلاة والاجتماع للعبادات إنما تقصد في بيوت الله وهي المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه .
فلا تقصد بيوت المخلوقين فتتخذ عيدا كما قال صلى الله عليه وسلم { } كل هذا لتحقيق [ ص: 400 ] التوحيد الذي هو أصل الدين ورأسه الذي لا يقبل الله عملا إلا به ويغفر لصاحبه ولا يغفر لمن تركه وكما قال تعالى : { لا تتخذوا بيتي عيدا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما } ولهذا كانت كلمة التوحيد أفضل الكلام ، وأعظمه آية الكرسي { فأعظم آية في القرآن الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم } .
وقال صلى الله عليه وسلم ( { } . من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة
والإله : الذي يألهه القلب عبادة له واستعانة ورجاء له وخشية وإجلالا وإكراما .