[ ص: 401 ] ( فصل ) : ومن ذلك الاقتصاد في السنة ; واتباعها كما جاءت - بلا زيادة ولا نقصان - مثل فإن مذهب الكلام : في ( القرآن و ( سائر الصفات سلف الأمة وأهل السنة أن القرآن كلام الله ; منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود .
هكذا قال غير واحد من السلف .
روي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار - وكان من التابعين الأعيان - قال : ما زلت أسمع الناس يقولون ذلك .
والقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هو هذا القرآن الذي يقرءوه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم وهو كلام الله لا كلام غيره ; وإن تلاه العباد وبلغوه بحركاتهم وأصواتهم .
فإن الكلام لمن قاله مبتدئا لا لمن قاله مبلغا مؤديا قال الله تعالى : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه } وهذا القرآن في المصاحف كما قال تعالى : { بل هو قرآن مجيد } { في لوح محفوظ } وقال تعالى : { يتلو صحفا مطهرة } { فيها كتب قيمة } .
وقال : { إنه لقرآن كريم } { في كتاب مكنون } .
كل ذلك يدخل في القرآن وفي كلام الله . والقرآن كلام الله بحروفه ونظمه ومعانيه
وإعراب الحروف هو من تمام الحروف ; كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 402 ] { } وقال من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حفظ إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه .
وإذا كتب المسلمون مصحفا فإن أحبوا أن لا ينقطوه ولا يشكلوه جاز ذلك ; كما كان الصحابة يكتبون المصاحف من غير تنقيط ولا تشكيل ; لأن القوم كانوا عربا لا يلحنون .
وهكذا هي المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار في زمن التابعين .
ثم وشكلت بالنقط الحمر ثم شكلت بمثل خط الحروف ; فتنازع العلماء في كراهة ذلك . فشا " اللحن " فنقطت المصاحف
وفيه خلاف عن - رحمه الله - وغيره من العلماء قيل : يكره ذلك لأنه بدعة : وقيل : لا يكره للحاجة إليه . الإمام أحمد
وقيل يكره النقط دون الشكل لبيان الإعراب .
والصحيح أنه لا بأس به .
آدم عليه السلام بصوت ; إلى أمثال ذلك من الأحاديث . والتصديق بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يتكلم بصوت ; وينادي
فهذه الجملة كان عليها سلف الأمة وأئمة السنة .
وقال أئمة السنة : . القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق
حيث تلي وحيث [ ص: 403 ] كتب .
فلا يقال لتلاوة العبد بالقرآن : إنها مخلوقة لأن ذلك يدخل فيه القرآن المنزل ولا يقال : غير مخلوقة لأن ذلك يدخل فيه أفعال العباد .
ولم يقل قط أحد من أئمة السلف : أن أصوات العباد بالقرآن قديمة بل أنكروا على من قال : . لفظ العبد بالقرآن غير مخلوق
وأما من قال : إن المداد قديم : فهذا من أجهل الناس وأبعدهم عن السنة ، قال الله تعالى : { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } فأخبر أن المداد يكتب به كلماته .
وكذلك من . قال ليس القرآن في المصحف ; وإنما في المصحف مداد وورق أو حكاية وعبارة
فهو مبتدع ضال .
بل القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو ما بين الدفتين .
والكلام في المصحف - على الوجه الذي يعرفه الناس - له خاصة يمتاز بها عن سائر الأشياء .
وكذلك من زاد على السنة فهو مبتدع ضال . فقال : إن ألفاظ العباد وأصواتهم قديمة
فإنه أيضا مبتدع منكر للسنة . كمن قال : إن الله لا يتكلم بحرف ولا بصوت
وكذلك من زاد وقال : إن المداد قديم فهو ضال .
كمن قال : ليس في المصاحف كلام الله .
[ ص: 404 ] وأما من زاد على ذلك من الجهال الذين يقولون : إن الورق والجلد والوتد وقطعة من الحائط : كلام الله فهو بمنزلة من . يقول : ما تكلم الله بالقرآن ولا هو كلامه
هذا الغلو من جانب الإثبات يقابل التكذيب من جانب النفي وكلاهما خارج عن السنة والجماعة .
وكذلك إفراد الكلام في النقطة والشكلة بدعة نفيا وإثباتا وإنها حدثت هذه البدعة من مائة سنة أو أكثر بقليل فإن من قال : إن المداد الذي تنقط به الحروف ويشكل به قديم فهو ضال جاهل ومن فهو ضال مبتدع . قال : إن إعراب حروف القرآن ليس من القرآن
بل الواجب أن يقال : هذا القرآن العربي هو كلام الله ، وقد دخل في ذلك حروفه بإعرابها كما دخلت معانيه ، ويقال : ما بين اللوحين جميعه كلام الله .
فإن كان المصحف منقوطا مشكولا أطلق على ما بين اللوحين جميعه أنه كلام الله .
وإن كان غير منقوط ولا مشكول : كالمصاحف القديمة التي كتبها الصحابة ; كان أيضا ما بين اللوحين هو كلام الله .
فلا يجوز أن تلقى الفتنة بين المسلمين بأمر محدث ونزاع لفظي لا حقيقة له ولا يجوز أن يحدث في الدين ما ليس منه .