وقال الشالنجي : سألت أحمد عمن قال : ليس بمرجئ . وقال قال : أنا مؤمن عند نفسي من طريق الأحكام والمواريث ولا أعلم ما أنا عند الله ؟ أبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي : الاستثناء جائز ومن ; فذلك عندي جائز وليس بمرجئ وبه قال قال : أنا مؤمن حقا ولم يقل : عند الله ولم يستثن أبو خيثمة ; وذكر وابن أبي شيبة الشالنجي أنه سأل عن أحمد بن حنبل ; هل يكون مصرا من كانت هذه حاله ؟ قال : هو مصر مثل قوله : { المصر على الكبائر يطلبها بجهده أي يطلب الذنب بجهده إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم } يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام ومن نحو قوله : { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن } ومن نحو قول ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا [ ص: 254 ] يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ابن عباس في قوله : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } فقلت له : ما هذا الكفر ؟ قال : كفر لا ينقل عن الملة مثل الإيمان بعضه دون بعض ; فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه . وقال : { ابن أبي شيبة } لا يكون مستكمل الإيمان يكون ناقصا من إيمانه . قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن الشالنجي : وسألت أحمد عن الإيمان والإسلام . فقال : الإيمان قول وعمل ; والإسلام : إقرار قال : وبه قال . وقال أبو خيثمة : لا يكون إسلام إلا بإيمان ولا إيمان إلا بإسلام ; وإذا كان على المخاطبة فقال : قد قبلت الإيمان فهو داخل في الإسلام ; وإذا قال : قد قبلت الإسلام فهو داخل في الإيمان . وقال ابن أبي شيبة محمد بن نصر المروزي : وحكى غير هؤلاء أنه سأل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم { أحمد بن حنبل } فقال : من أتى هذه الأربعة أو مثلهن أو فوقهن فهو مسلم ولا أسميه مؤمنا ومن أتى دون ذلك يريد دون الكبائر أسميه مؤمنا ناقص الإيمان . لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
قلت : كان يقول تارة بهذا الفرق وتارة كان يذكر الاختلاف ويتوقف وهو المتأخر عنه قال أحمد بن حنبل أبو بكر الأثرم في " السنة " سمعت يسأل عن أبا عبد الله ما تقول فيه ؟ فقال : أما أنا فلا أعيبه أي من الناس من يعيبه . قال الاستثناء في الإيمان : إذا كان يقول : إن الإيمان قول [ ص: 255 ] وعمل يزيد وينقص فاستثنى مخافة واحتياطا ليس كما يقولون على الشك ; إنما يستثنى للعمل . قال أبو عبد الله : قال الله تعالى : { أبو عبد الله لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله } أي أن هذا استثناء بغير شك وقال النبي صلى الله عليه وسلم في أهل القبور : { } أي لم يكن يشك في هذا وقد استثناه وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم { وإنا إن شاء الله بكم لاحقون } يعني من القبر وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم { وعليها نبعث إن شاء الله } قال : هذا كله تقوية للاستثناء في الإيمان . قلت إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله : وكأنك لا ترى بأسا أن لا يستثنى . فقال : إذا كان ممن يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ; فهو أسهل عندي ; ثم قال لأبي عبد الله : إن قوما تضعف قلوبهم عن الاستثناء كالتعجب منهم وسمعت أبو عبد الله وقيل له : أبا عبد الله شبابة أي شيء تقول فيه ؟ : فقال : شبابة كان يدعي الإرجاء قال : وحكي عن شبابة قول أخبث من هذه الأقاويل ما سمعت عن أحد بمثله ; قال : قال أبو عبد الله شبابة : إذا قال : فقد عمل بلسانه كما يقولون فإذا قال فقد عمل بجارحته أي بلسانه حين تكلم به ; ثم قال : هذا قول خبيث ما سمعت أحدا يقول به ولا بلغني قيل أبو عبد الله : كنت كتبت عن لأبي عبد الله شبابة شيئا ؟ فقال : نعم كنت كتبت عنه قديما يسيرا قبل أن نعلم أنه يقول بهذا قلت : كتبت عنه بعد ؟ قال : لا ولا حرفا . قيل لأبي عبد الله : يزعمون أن لأبي عبد الله سفيان كان يذهب إلى الاستثناء في الإيمان . فقال : هذا مذهب سفيان المعروف به الاستثناء قلت : من يرويه عن [ ص: 256 ] لأبي عبد الله سفيان فقال كل من حكى عن سفيان في هذا حكاية كان يستثني قال وقال وكيع عن سفيان : الناس عندنا مؤمنون في الأحكام والمواريث ؟ ولا ندري ما هم عند الله قلت : فأنت بأي شيء تقول ؟ . فقال : نحن نذهب إلى الاستثناء . لأبي عبد الله
قلت : فأما إذا قال : أنا مسلم فلا يستثنى ؟ فقال : نعم لا يستثنى إذا قال : أنا مسلم : قلت لأبي عبد الله : أقول : هذا مسلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { لأبي عبد الله } وأنا أعلم أنه لا يسلم الناس منه فذكر حديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده معمر عن الزهري : فنرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل قال : حدثناه أبو عبد الله عن عبد الرزاق معمر عن الزهري قيل : فنقول : الإيمان يزيد وينقص ؟ فقال : حديث النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك فذكر قوله { لأبي عبد الله } فهو يدل على ذلك وذكر عند أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال كذا أخرجوا من كان في قلبه مثقال كذا أبي عبد الله عيسى الأحمر وقوله في الإرجاء فقال : نعم وذلك خبيث القول وقال : حدثنا أبو عبد الله مؤمل حدثنا سمعت حماد بن زيد هشاما يقول : كان الحسن ومحمد يقولان : مسلم . ويهابان : مؤمن . قلت : رواه غير لأبي عبد الله سويد ؟ قال : ما علمت بذلك وسمعت يقول : الإيمان قول وعمل . قلت أبا عبد الله : فالحديث الذي يروى { لأبي عبد الله } قال : ليس كل أحد يقول : إنها مؤمنة يقولون أعتقها . قال : أعتقها فإنها مؤمنة ومالك سمعه من هذا الشيخ هلال بن علي لا يقول { } [ ص: 257 ] وقد قال بعضهم بأنها مؤمنة فهي حين تقر بذاك فحكمها حكم المؤمنة هذا معناه . قلت فإنها مؤمنة : تفرق بين الإيمان والإسلام ؟ فقال : قد اختلف الناس فيه وكان لأبي عبد الله - زعموا - يفرق بين الإيمان والإسلام قيل له : من حماد بن زيد المرجئة ؟ قال : الذين يقولون : الإيمان قول بلا عمل .
قلت : لم يرد قط أنه سلب جميع الإيمان فلم يبق معه منه شيء كما تقوله فأحمد بن حنبل الخوارج والمعتزلة فإنه قد صرح في غير موضع : بأن أهل الكبائر معهم إيمان يخرجون به من النار واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم { } وليس هذا قوله ولا قول أحد من أئمة أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان أهل السنة بل كلهم متفقون على أن الفساق الذين ليسوا منافقين معهم شيء من الإيمان يخرجون به من النار هو الفارق بينهم وبين الكفار والمنافقين لكن إذا كان معه بعض الإيمان لم يلزم أن يدخل في الاسم المطلق الممدوح وصاحب الشرع قد نفى الاسم عن هؤلاء فقال : { } وقال : { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن } وقال : { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه } وأقسم على ذلك مرات وقال : { لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه } . و " المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم المعتزلة " ينفون عنه اسم الإيمان بالكلية واسم الإسلام أيضا ويقولون : ليس معه شيء من الإيمان والإسلام ويقولون : ننزله منزلة بين منزلتين فهم يقولون : إنه يخلد في النار لا يخرج منها بالشفاعة وهذا هو الذي أنكر عليهم [ ص: 258 ] وإلا لو نفوا مطلق الاسم وأثبتوا معه شيئا من الإيمان يخرج به من النار لم يكونوا مبتدعة وكل أهل السنة متفقون على أنه قد سلب كمال الإيمان الواجب فزال بعض إيمانه الواجب لكنه من أهل الوعيد وإنما ينازع في ذلك من يقول : الإيمان لا يتبعض من الجهمية والمرجئة فيقولون : إنه كامل الإيمان فالذي ينفي إطلاق الاسم يقول : الاسم المطلق مقرون بالمدح واستحقاق الثواب كقولنا : متق وبر وعلى الصراط المستقيم فإذا كان الفاسق لا تطلق عليه هذه الأسماء فكذلك اسم الإيمان وأما دخوله في الخطاب فلأن المخاطب باسم الإيمان كل من معه شيء منه لأنه أمر لهم فمعاصيهم لا تسقط عنهم الأمر .
وأما ما ذكره أحمد في الإسلام فاتبع فيه الزهري حيث قال : فكانوا يرون الإسلام الكلمة والإيمان العمل في حديث سعد بن أبي وقاص وهذا على وجهين فإنه قد يراد به الكلمة بتوابعها من الأعمال الظاهرة وهذا هو الإسلام الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : { محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت } وقد يراد به الكلمة فقط من غير فعل الواجبات الظاهرة وليس هذا هو الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام . لكن قد يقال : إسلام الإسلام : أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن الأعراب كان من هذا فيقال . الأعراب وغيرهم كانوا إذا أسلموا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ألزموا بالأعمال الظاهرة : الصلاة والزكاة والصيام والحج ولم يكن أحد يترك بمجرد الكلمة بل كان من أظهر المعصية يعاقب عليها .
[ ص: 259 ] وأحمد إن كان أراد في هذه الرواية أن الإسلام هو الشهادتان فقط فكل من قالها فهو مسلم فهذه إحدى الروايات عنه والرواية الأخرى : لا يكون مسلما حتى يأتي بها ويصلي فإذا لم يصل كان كافرا . و " الثالثة " أنه كافر بترك الزكاة أيضا . و " الرابعة " أنه يكفر بترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ما إذا لم يقاتله وعنه أنه لو قال : أنا أؤديها ولا أدفعها إلى الإمام لم يكن للإمام أن يقتله وكذلك عنه رواية أنه يكفر بترك الصيام والحج إذا عزم أنه لا يحج أبدا . ومعلوم أنه على القول بكفر تارك المباني يمتنع أن يكون الإسلام مجرد الكلمة بل المراد أنه إذا أتى بالكلمة دخل في الإسلام وهذا صحيح فإنه يشهد له بالإسلام ولا يشهد له بالإيمان الذي في القلب ولا يستثنى في هذا الإسلام لأنه أمر مشهور لكن الإسلام الذي هو أداء الخمس كما أمر به يقبل الاستثناء فالإسلام الذي لا يستثنى فيه الشهادتان باللسان فقط فإنها لا تزيد ولا تنقص فلا استثناء فيها .