[ ص: 52 ] الوجه التاسع أن العلم بوجود صفات مشتركة ومختصة حق ; لكن التمييز بين تلك الصفات بجعل بعضها ذاتيا تتقوم منه حقيقة المحدود وبعضها لازما لحقيقة المحدود : تفريق باطل بل جميع - طردا وعكسا - هي جنس واحد . فلا فرق بين الفصل والخاصة ولا بين الجنس والعرض العام . الصفات الملازمة للمحدود
وذلك أن الحقيقة المركبة من تلك الصفات : إما أن يعنى بها الخارجة أو الذهنية أو شيء ثالث . فإن عني بها الخارجة : فالنطق والضحك في الإنسان حقيقتان لازمتان يختصان به . وإن عني الحقيقة التي في الذهن : فالذهن يعقل اختصاص هاتين الصفتين به دون غيره .
وإن قيل : بل إحدى الصفتين يتوقف عقل الحقيقة عليها فلا يعقل الإنسان في الذهن حتى يفهم النطق ; وأما الضحك فهو تابع لفهم الإنسان . وهذا معنى قولهم " الذاتي ما لا يتصور فهم الحقيقة بدون فهمه أو ما تقف الحقيقة في الذهن والخارج عليه " .
[ ص: 53 ] قيل : إدراك الذهن أمر نسبي إضافي . فإن كون الذهن لا يفهم هذا إلا بعد هذا : أمر يتعلق بنفس إدراك الذهن ليس هو شيئا ثابتا للموصوف في نفسه . فلا بد أن يكون الفرق بين الذاتي والعرضي بوصف ثابت في نفس الأمر سواء حصل الإدراك له أو لم يحصل إن كان أحدهما جزءا للحقيقة دون الآخر وإلا فلا .