الوجه الخامس عشر أن الله سبحانه علم آدم الأسماء كلها . وقد ميز كل مسمى باسم يدل على ما يفصله من الجنس المشترك ويخصه دون ما سواه ويبين به ما يرسم معناه [ ص: 59 ] في النفس . واجبة ; لأنه بها تقوم مصلحة بني آدم في النطق الذي جعله الله رحمة لهم لا سيما حدود ما أنزل الله في كتبه من الأسماء كالخمر والربا . ومعرفة حدود الأسماء
فهذه الحدود هي الفاصلة المميزة بين ما يدخل في المسمى ويتناوله ذلك الاسم وما دل عليه من الصفات وبين ما ليس كذلك ; ولهذا ذم الله من سمى الأشياء بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان . فإنه أثبت للشيء صفة باطلة كإلهية الأوثان .
فالأسماء النطقية سمعية . وأما نفس تصور المعاني ففطري يحصل بالحس الباطن والظاهر وبإدراك الحس وشهوده ببصر الإنسان بباطنه وبظاهره وبسمعه يعلم أسماءها وبفؤاده يعقل الصفات المشتركة والمختصة .
والله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة .
فأما الحدود المتكلفة فليس فيها فائدة لا في العقل ولا في الحس ولا في السمع إلا ما هو كالأسماء مع التطويل أو ما هو كالتمييز كسائر الصفات .
ولهذا لما رأوا ذلك جعلوا الحد نوعين : نوعا بحسب الاسم ; وهو بيان ما يدخل فيه . ونوعا بحسب الصفة أو الحقيقة أو المسمى وزعموا كشف [ ص: 60 ] الحقيقة وتصويرها والحقيقة المذكورة إن ذكرت بلفظ دخلت في القسم الأول وإن لم تذكر بلفظ فلا تدرك بلفظ ولا تحد بمقال إلا كما تقدم .
وهذه نكت تنبه على جمل المقصود . وليس هذا موضع بسط ذلك .