و "
nindex.php?page=treesubj&link=24624الزهد المشروع " هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة وهو فضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة الله كما أن "
nindex.php?page=treesubj&link=29501الورع المشروع " هو ترك ما قد يضر في الدار الآخرة وهو ترك المحرمات والشبهات التي لا يستلزم تركها ترك ما فعله أرجح منها كالواجبات فأما ما ينفع في الدار الآخرة بنفسه أو يعين على ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=761&ayano=5يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } كما أن الاشتغال بفضول المباحات هو ضد الزهد المشروع فإن اشتغل بها عن فعل واجب أو [ ترك ] محرم كان عاصيا وإلا كان منقوصا عن درجة المقربين إلى درجة المقتصدين . و ( أيضا فإن التوكل هو محبوب لله مرض له مأمور به دائما وما كان محبوبا لله مرضيا له مأمورا به دائما لا يكون من فعل المقتصدين دون المقربين فهذه ثلاثة أجوبة عن قولهم : المتوكل يطلب حظوظه .
وأما قولهم إن الأمور قد فرغ منها فهذا نظير ما قاله بعضهم في الدعاء أنه لا حاجة إليه لأن المطلوب إن كان مقدرا فلا حاجة إليه وإن لم يكن
[ ص: 22 ] مقدرا لم ينفع الدعاء وهذا القول من أفسد الأقوال شرعا وعقلا . وكذلك قول من قال : التوكل والدعاء لا يجلب به منفعة ولا يدفع به مضرة وإنما هو عبادة محضة . وإن حقيقة التوكل بمنزلة حقيقة التفويض المحض وهذا وإن كان قاله طائفة من المشايخ فهو غلط أيضا وكذلك قول من قال : إن الدعاء إنما هو عبادة محضة . فهذه الأقوال وما أشبهها يجمعها أصل واحد : وهو أن هؤلاء ظنوا أن كون الأمور مقدرة مقضية يمنع أن تتوقف على أسباب مقدرة - أيضا - تكون من العبد ; ولم يعلموا أن الله سبحانه يقدر الأمور ويقضيها بالأسباب التي جعلها معلقة بها من أفعال العباد وغير أفعالهم ولهذا كان طرد قولهم يوجب تعطيل الأعمال بالكلية .
وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الأصل مرات فأجاب عنه كما أخرجا في الصحيحين عن
عمران بن حصين قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596704قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار ؟ قال : نعم . قالوا : ففيم العمل ؟ قال : كل ميسر لما خلق له } وفي الصحيحين عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596705 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب قال : كنا في جنازة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ومعه مخصرة فجعل ينكت بالمخصرة في الأرض ثم رفع رأسه وقال : ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من النار أو الجنة إلا وقد كتبت شقية أو سعيدة قال : [ ص: 23 ] فقال رجل من القوم يا نبي الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ؟ فمن كان من أهل السعادة ليكونن إلى السعادة ومن كان من أهل الشقاوة ليكونن إلى الشقاوة قال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له .
أما أهل السعادة فييسرون للسعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون للشقاوة ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=tafseer&surano=6155&ayano=92فأما من أعطى واتقى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6156&ayano=92وصدق بالحسنى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6157&ayano=92فسنيسره لليسرى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6158&ayano=92وأما من بخل واستغنى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6159&ayano=92وكذب بالحسنى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6160&ayano=92فسنيسره للعسرى } } أخرجه الجماعة في الصحاح والسنن والمسانيد . وروى
الترمذي " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596706أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل فقيل : يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها وتقى نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا ؟ فقال : هي من قدر الله } .
وقد جاء هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عدة أحاديث فبين صلى الله عليه وآله وسلم أن تقدم العلم والكتاب بالسعيد والشقي لا ينافي أن تكون سعادة هذا بالأعمال الصالحة وشقاوة هذا بالأعمال السيئة ; فإنه سبحانه يعلم الأمور على ما هي عليه وكذلك يكتبها ; فهو يعلم أن السعيد يسعد بالأعمال الصالحة والشقي يشقى بالأعمال السيئة فمن كان سعيدا ييسر للأعمال الصالحة التي تقتضي السعادة ; ومن كان شقيا ييسر للأعمال السيئة
[ ص: 24 ] التي تقتضي الشقاوة ; وكلاهما ميسر لما خلق له وهو ما يصير إليه من مشيئة الله العامة الكونية التي ذكرها الله سبحانه في كتابه في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1602&ayano=11ولا يزالون مختلفين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1603&ayano=11إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } .
وأما ما خلقوا له من محبة الله ورضاه وهو إرادته الدينية التي أمروا بموجبها فذلك مذكور في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } .
والله سبحانه قد بين في كتابه في كل واحدة : من " الكلمات " و " الأمر " و " الإرادة " و " الإذن " و " الكتاب " و " الحكم " و " القضاء " و " التحريم " ونحو ذلك ما هو ديني موافق لمحبة الله ورضاه وأمره الشرعي وما هو كوني موافق لمشيئته الكونية . مثال ذلك أنه قال في " الأمر الديني " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2007&ayano=16إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=555&ayano=4إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ونحو ذلك . وقال في " الكوني " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3823&ayano=36إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2062&ayano=17وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول } على إحدى الأقوال في هذه الآية . وقال في " الإرادة الدينية " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=194&ayano=2يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }
[ ص: 25 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=523&ayano=4يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } وقال في " الإرادة الكونية " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=262&ayano=2ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=920&ayano=6فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء } وقال
نوح عليه السلام {
nindex.php?page=tafseer&surano=1518&ayano=11ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3823&ayano=36إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } .
وقال تعالى في " الإذن الديني " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5190&ayano=59ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } وقال تعالى في " الكوني " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=2وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } .
وقال تعالى في " القضاء الديني " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2069&ayano=17وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } أي أمر . وقال تعالى في " الكوني " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4271&ayano=41فقضاهن سبع سماوات في يومين } . وقال تعالى في " الحكم الديني " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=675&ayano=5أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5220&ayano=60ذلكم حكم الله يحكم بينكم } وقال تعالى في " الكوني " عن
ابن يعقوب : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1688&ayano=12فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين }
[ ص: 26 ] وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2616&ayano=21قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون } .
وقال تعالى في " التحريم الديني " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=677&ayano=5حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=520&ayano=4حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم } الآية . وقال تعالى في " التحريم الكوني " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=700&ayano=5فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5469&ayano=70والذين في أموالهم حق معلوم }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=5470&ayano=51للسائل والمحروم } وقال تعالى في " الكلمات الدينية " {
nindex.php?page=tafseer&surano=133&ayano=2وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } وقال تعالى في " الكونية " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1098&ayano=7وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا } ومنه قوله صلى الله عليه وسلم المستفيض عنه من وجوه في الصحاح والسنن والمسانيد إنه كان يقول في استعاذته {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1280أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر } ومن المعلوم أن هذا هو الكوني الذي لا يخرج منه شيء عن مشيئته وتكوينه .
وأما الكلمات الدينية فقد خالفها الفجار بمعصيته . والمقصود هنا : أنه صلى الله عليه وسلم بين أن العواقب التي خلق لها الناس من سعادة وشقاوة ييسرون لها بالأعمال التي يصيرون بها إلى ذلك كما أن سائر المخلوقات كذلك ; فهو سبحانه يخلق الولد وسائر الحيوان في الأرحام بما يقدره من اجتماع الأبوين على النكاح واجتماع الماءين في الرحم فلو قال الإنسان أنا أتوكل ولا أطأ زوجتي فإن كان قد
[ ص: 27 ] قضي لي بولد وجد وإلا لم يوجد ولا حاجة إلى وطء كان أحمق بخلاف ما إذا وطئ وعزل الماء فإن عزل الماء لا يمنع انعقاد الولد إذا شاء الله إذ قد يسبق الماء بغير اختياره .
ومن هذا ما ثبت في الصحيحين عن
أبي سعيد الخدري . قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=154خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما عليكم ألا تفعلوا فإن الله قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة } وفي صحيح
مسلم عن
جابر : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=4958أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها } . وهذا مع أن الله سبحانه قادر على ما قد فعله من خلق الإنسان من غير أبوين كما خلق
آدم ومن خلقه من أب فقط كما خلق
حواء من ضلع
آدم القصير ومن خلقه من أم فقط كما خلق
المسيح ابن مريم عليه السلام لكن خلق ذلك بأسباب أخرى غير معتادة .
وهذا الموضع وإن كان إنما يجحده الزنادقة المعطلون للشرائع فقد وقع في كثير من دقه كثير من المشايخ المعظمين يسترسل أحدهم مع القدر
[ ص: 28 ] غير محقق لما أمر به ونهى عنه ويجعل ذلك من باب التفويض والتوكل والجري مع الحقيقة القدرية ويحسب أن
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28790قول القائل ينبغي للعبد أن يكون مع الله كالميت بين يدي الغاسل يتضمن ترك العمل بالأمر والنهي حتى يترك ما أمر به ويفعل ما نهي عنه وحتى يضعف عنده النور والفرقان الذي يفرق به بين ما أمر الله به وأحبه ورضيه وبين ما نهى عنه وأبغضه وسخطه فيسوي بين ما فرق الله بينه كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4539&ayano=45أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5374&ayano=68أفنجعل المسلمين كالمجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=5375&ayano=37ما لكم كيف تحكمون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4036&ayano=38أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4106&ayano=39قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3714&ayano=35وما يستوي الأعمى والبصير }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=3715&ayano=35ولا الظلمات ولا النور }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=3716&ayano=35ولا الظل ولا الحرور }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=3717&ayano=35وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور } وأمثال ذلك . حتى يفضي الأمر بغلاتهم إلى عدم التمييز بين الأمر بالمأمور النبوي الإلهي الفرقاني الشرعي الذي دل عليه الكتاب والسنة وبين ما يكون في الوجود من الأحوال التي تجري على أيدي الكفار والفجار فيشهدون وجه الجمع من جهة كون الجميع بقضاء الله وقدره وربوبيته وإرادته العامة
[ ص: 29 ] وأنه داخل في ملكه ولا يشهدون وجه الفرق الذي فرق الله به بين أوليائه وأعدائه والأبرار والفجار والمؤمنين والكافرين وأهل الطاعة الذين أطاعوا أمره الديني وأهل المعصية الذين عصوا هذا الأمر ويستشهدون في ذلك بكلمات مجملة نقلت عن بعض الأشياخ أو ببعض غلطات بعضهم .
وهذا " أصل عظيم " من أعظم ما يجب الاعتناء به على أهل طريق الله السالكين سبيل الإرادة : إرادة الذين يريدون وجهه ; فإنه قد دخل بسبب إهمال ذلك على طوائف منهم من الكفر والفسوق والعصيان ما لا يعلمه إلا الله حتى يصيروا معاونين على البغي والعدوان للمسلطين في الأرض من أهل الظلم والعلو كالذين يتوجهون بقلوبهم في معاونة من يهوونه من أهل العلو في الأرض والفساد ظانين أنهم إذا كانت لهم أحوال أثروا بها في ذلك كانوا بذلك من أولياء الله - فإن القلوب لها من التأثير أعظم مما للأبدان ; لكن إن كانت صالحة كان تأثيرها صالحا وإن كانت فاسدة كان تأثيرها فاسدا فالأحوال يكون تأثيرها محبوبا لله تارة ومكروها لله أخرى وقد تكلم الفقهاء على وجوب القود على من يقتل غيره في الباطن حيث يجب القود في ذلك - ويستشهدون ببواطنهم وقلوبهم الأمر الكوني ويعدون مجرد خرق العادة لأحدهم بكشف يكشف له أو بتأثير يوافق إرادته هو كرامة من الله له ولا يعلمون أنه في الحقيقة إهانة وأن الكرامة لزوم الاستقامة وأن
[ ص: 30 ] الله لم يكرم عبده بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه وهو طاعته وطاعة رسوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وهؤلاء هم أولياء الله الذين قال الله فيهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1436&ayano=10ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون }
فإن كانوا موافقين له فيما أوجبه عليهم فهم من المقتصدين وإن كانوا موافقين فيما أوجبه وأحبه فهم من المقربين مع أن كل واجب محبوب وليس كل محبوب واجبا وأما ما يبتلي الله به عبده من السراء بخرق العادة أو بغيرها أو بالضراء فليس ذلك لأجل كرامة العبد على ربه ولا هوانه عليه بل قد يسعد بها قوم إذا أطاعوه في ذلك وقد يشقى بها قوم إذا عصوه في ذلك . قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6097&ayano=89فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=6098&ayano=89وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانني كلا } ولهذا كان الناس في هذه الأمور على " ثلاثة أقسام " : ( قسم ترتفع درجاتهم بخرق العادة إذا استعملوها في طاعة الله . وقوم يتعرضون بها لعذاب الله إذا استعملوها في معصية الله
كبلعام وغيره . وقوم تكون في حقهم بمنزلة المباحات .
[ ص: 31 ] والقسم الأول هم المؤمنون حقا المتبعون لنبيهم سيد ولد
آدم الذي إنما كانت خوارقه لحجة يقيم بها دين الله أو لحاجة يستعين بها على طاعة الله . ولكثرة الغلط في هذا الأصل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاسترسال مع القدر بدون الحرص على فعل المأمور الذي ينفع العبد فروى
مسلم في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596707قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير . احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان } .
وفي سنن
أبي داود : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596708أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى على أحدهما فقال المقضي عليه : حسبي الله ونعم الوكيل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل } فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن أن يحرص على ما ينفعه وأن يستعين بالله وهذا مطابق لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إياك نعبد وإياك نستعين } وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فاعبده وتوكل عليه } فإن الحرص على ما ينفع العبد هو طاعة الله وعبادته إذ النافع له هو طاعة الله ولا شيء أنفع له من ذلك وكل ما يستعان به على الطاعة فهو طاعة وإن كان من جنس المباح . قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
لسعد : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12358إنك لن [ ص: 32 ] تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى اللقمة تضعها في في امرأتك } فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يلوم على العجز الذي هو ضد الكيس وهو التفريط فيما يؤمر بفعله فإن ذلك ينافي القدرة المقارنة للفعل . وإن كان لا ينافي القدرة المتقدمة التي هي مناط الأمر والنهي . فإن الاستطاعة التي توجب الفعل تكون مقارنة له ولا تصلح إلا لمقدورها كما ذكرها الله تعالى في قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=1504&ayano=11ما كانوا يستطيعون السمع } وفي قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2259&ayano=18وكانوا لا يستطيعون سمعا }
وأما الاستطاعة التي يتعلق بها الأمر والنهي فتلك قد يقترن بها الفعل وقد لا يقترن . كما في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=393&ayano=3ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=105761وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب } . فهذا الموضع قد انقسم الناس فيه إلى " أربعة أقسام " :
nindex.php?page=treesubj&link=28663قوم ينظرون إلى جانب الأمر والنهي والعبادة والطاعة شاهدين لإلهية الرب سبحانه الذي أمروا أن يعبدوه ولا ينظرون إلى جانب القضاء والقدر والتوكل والاستعانة وهو حال كثير من المتفقهة والمتعبدة ; فهم مع حسن قصدهم وتعظيمهم لحرمات الله ولشعائره يغلب عليهم الضعف والعجز والخذلان ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28680_19648_19734الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجأ إليه والدعاء له هي التي تقوي العبد وتيسر عليه الأمور .
[ ص: 33 ] ولهذا قال بعض
السلف : من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله .
وفي الصحيحين عن
عبد الله بن عمرو {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596709أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفته في التوراة إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويغفر ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء فأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا بأن يقولوا لا إله إلا الله } ولهذا روي أن حملة العرش إنما أطاقوا حمل العرش بقولهم لا حول ولا قوة إلا بالله .
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=97847أنها كنز من كنوز الجنة } قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5285&ayano=65ومن يتوكل على الله فهو حسبه } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=469&ayano=3الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } إلى قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=471&ayano=3فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } وفي صحيح
البخاري عن
ابن عباس رضي الله عنه في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=469&ayano=3وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } قالها
إبراهيم الخليل حين ألقي في النار وقالها
محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس : إن الناس قد جمعوا لكم .
و ( قسم ثان :
nindex.php?page=treesubj&link=28658_29613يشهدون ربوبية الحق وافتقارهم إليه ويستعينون به لكن على أهوائهم وأذواقهم غير ناظرين إلى حقيقة أمره ونهيه ورضاه وغضبه ومحبته وهذا حال كثير من المتفقرة والمتصوفة ولهذا كثيرا
[ ص: 34 ] ما يعملون على الأحوال التي يتصرفون بها في الوجود ولا يقصدون ما يرضي الرب ويحبه وكثيرا ما يغلطون فيظنون أن معصيته هي مرضاته فيعودون إلى تعطيل الأمر والنهي ويسمون هذا حقيقة ويظنون أن هذه الحقيقة القدرية يجب الاسترسال معها دون مراعاة الحقيقة الأمرية الدينية التي هي تحوي مرضاة الرب ومحبته وأمره ونهيه ظاهرا وباطنا . وهؤلاء كثيرا ما يسلبون أحوالهم وقد يعودون إلى نوع من المعاصي والفسوق بل كثير منهم يرتد عن الإسلام لأن العاقبة للتقوى ومن لم يقف عند أمر الله ونهيه فليس من المتقين فهم يقعون في بعض ما وقع المشركون فيه تارة في بدعة يظنونها شرعة وتارة في الاحتجاج بالقدر على الأمر ; والله تعالى لما ذكر ما ذم به المشركين في سورة الأنعام والأعراف ذكر ما ابتدعوه من الدين وجعلوه شرعة كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=989&ayano=7وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء } وقد ذمهم على أن حرموا ما لم يحرمه الله وأن شرعوا ما لم يشرعه الله وذكر احتجاجهم بالقدر في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1952&ayano=16وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء } ونظيرها في النحل ويس والزخرف وهؤلاء يكون فيهم شبه من هذا وهذا .
وأما ( القسم الثالث : وهو
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28680من أعرض عن عبادة الله واستعانته به فهؤلاء شر الأقسام .
[ ص: 35 ] و ( القسم الرابع : هو القسم المحمود وهو حال الذين حققوا {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إياك نعبد وإياك نستعين } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فاعبده وتوكل عليه } فاستعانوا به على طاعته وشهدوا أنه إلههم الذي لا يجوز أن يعبد إلا إياه بطاعته وطاعة رسوله وأنه ربهم الذي {
nindex.php?page=tafseer&surano=846&ayano=6ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } وأنه {
nindex.php?page=tafseer&surano=3697&ayano=35ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1481&ayano=10وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=4135&ayano=39قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته } ولهذا قال طائفة من العلماء
nindex.php?page=treesubj&link=19651_19653الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد nindex.php?page=treesubj&link=19652ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل
nindex.php?page=treesubj&link=19652والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=19647التوكل المأمور به ما اجتمع فيه مقتضى التوحيد والعقل والشرع .
فقد تبين أن من ظن التوكل من مقامات عامة أهل الطريق فقد غلط غلطا شديدا وإن كان من أعيان المشايخ - كصاحب " علل المقامات " وهو من أجل المشايخ وأخذ ذلك عنه صاحب " محاسن المجالس " - وظهر ضعف حجة من قال ذلك لظنه أن المطلوب به حظ العامة فقط وظنه أنه لا فائدة له في تحصيل المقصود وهذه حال من جعل الدعاء كذلك وذلك بمنزلة من جعل الأعمال المأمور بها كذلك كمن اشتغل بالتوكل عن ما يجب عليه من
[ ص: 36 ] الأسباب التي هي عبادة وطاعة مأمور بها ; فإن غلط هذا في ترك الأسباب المأمور بها التي هي داخلة في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فاعبده وتوكل عليه } كغلط الأول في ترك التوكل المأمور به الذي هو داخل في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فاعبده وتوكل عليه } لكن يقال : من كان توكله على الله ودعاؤه له هو في حصول مباحات فهو من العامة وإن كان في حصول مستحبات وواجبات فهو من الخاصة كما أن من دعاه وتوكل عليه في حصول محرمات فهو ظالم لنفسه
nindex.php?page=treesubj&link=19647ومن أعرض عن التوكل فهو عاص لله ورسوله بل خارج عن حقيقة الإيمان فكيف يكون هذا المقام للخاصة قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1458&ayano=10وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين }
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=456&ayano=3إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=456&ayano=3وعلى الله فليتوكل المؤمنون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4135&ayano=39قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره } إلى قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4135&ayano=39قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون } وقد ذكر الله هذه الكلمة ( حسبي الله في جلب المنفعة تارة وفي دفع المضرة أخرى .
( فالأولى في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله } الآية . و ( الثانية في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=469&ayano=3الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } وفي قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1230&ayano=8وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله } يتضمن الأمر بالرضا والتوكل . والرضا والتوكل يكتنفان المقدور فالتوكل قبل وقوعه . والرضا بعد وقوعه ; ولهذا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596710كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت ; وأسألك لذة النظر إلى وجهك ; وأسألك الشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين } رواه
أحمد والنسائي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر .
وأما ما يكون قبل القضاء فهو عزم على الرضا لا حقيقة الرضا ; ولهذا كان طائفة من المشايخ يعزمون على الرضا قبل وقوع البلاء ; فإذا وقع انفسخت عزائمهم كما يقع نحو ذلك في الصبر وغيره كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=439&ayano=3ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5226&ayano=61يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=5227&ayano=61كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=5228&ayano=61إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } نزلت هذه الآية لما قالوا لو علمنا أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه فأنزل الله سبحانه وتعالى آية الجهاد فكرهه من كرهه . ولهذا
nindex.php?page=treesubj&link=29471كره للمرء أن يتعرض للبلاء بأن يوجب على نفسه ما لا يوجبه الشارع عليه بالعهد والنذر ونحو ذلك أو يطلب ولاية أو يقدم على بلد فيه طاعون . كما ثبت في الصحيحين من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596711أنه نهى عن النذر ; وقال : إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل } وثبت عنه في الصحيحين أنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=77لعبد الرحمن بن سمرة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30242لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ; وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك } وثبت عنه في الصحيحين أنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596712قال في الطاعون : إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه } .
وثبت عنه في الصحيحين أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30012لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية ولكن إذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف } وأمثال ذلك مما يقتضي أن الإنسان لا ينبغي له أن يسعى فيما يوجب عليه أشياء ويحرم عليه أشياء فيبخل بالوفاء ; وكما يفعل كثير ممن يعاهد الله عهودا على أمور وغالب هؤلاء يبتلون بنقض العهود . ويقتضي أن الإنسان إذا ابتلي فعليه أن يصبر ويثبت ولا يتكل حتى يكون من الرجال الموقنين القائمين بالواجبات . ولا بد في جميع ذلك من
[ ص: 39 ] الصبر ; ولهذا كان الصبر واجبا باتفاق المسلمين على أداء الواجبات وترك المحظورات . ويدخل في ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=19585الصبر على المصائب عن أن يجزع فيها
nindex.php?page=treesubj&link=19590والصبر عن اتباع أهواء النفوس فيما نهى الله عنه . وقد ذكر الله الصبر في كتابه في أكثر من تسعين موضعا وقرنه بالصلاة في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=162&ayano=2استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1598&ayano=11وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل } إلى قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=1599&ayano=11واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=2498&ayano=20فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك } الآية وجعل " الإمامة في الدين " موروثة عن الصبر واليقين بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3559&ayano=32وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } فإن الدين كله علم بالحق وعمل به والعمل به لا بد فيه من الصبر بل وطلب علمه يحتاج إلى الصبر كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل رضي الله عنه عليكم بالعلم فإن طلبه لله عبادة ومعرفته خشية والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ; ومذاكرته تسبيح . به يعرف الله ويعبد وبه يمجد الله ويوحد يرفع الله بالعلم أقواما يجعلهم للناس قادة وأئمة يهتدون بهم وينتهون إلى رأيهم . فجعل البحث عن العلم من الجهاد ولا بد في الجهاد من الصبر ; ولهذا
[ ص: 40 ] قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6280&ayano=103والعصر }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=6281&ayano=103إن الإنسان لفي خسر }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=6282&ayano=103إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4053&ayano=38واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار } فالعلم النافع هو أصل الهدى والعمل بالحق هو الرشاد وضد الأول الضلال وضد الثاني الغي فالضلال العمل بغير علم والغي اتباع الهوى . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4838&ayano=53والنجم إذا هوى }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=4839&ayano=53ما ضل صاحبكم وما غوى } فلا ينال الهدى إلا بالعلم ولا ينال الرشاد إلا بالصبر ; ولهذا قال
علي : ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد - فإذا انقطع الرأس بان الجسد - ثم رفع صوته فقال ألا لا إيمان لمن لا صبر له
وَ "
nindex.php?page=treesubj&link=24624الزُّهْدُ الْمَشْرُوعُ " هُوَ تَرْكُ الرَّغْبَةِ فِيمَا لَا يَنْفَعُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَهُوَ فُضُولُ الْمُبَاحِ الَّتِي لَا يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ كَمَا أَنَّ "
nindex.php?page=treesubj&link=29501الْوَرَعَ الْمَشْرُوعَ " هُوَ تَرْكُ مَا قَدْ يَضُرُّ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَهُوَ تَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالشُّبُهَاتِ الَّتِي لَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكُهَا تَرْكَ مَا فِعْلُهُ أَرْجَحُ مِنْهَا كَالْوَاجِبَاتِ فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُعِينُ عَلَى مَا يَنْفَعُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَالزُّهْدُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ بَلْ صَاحِبُهُ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=761&ayano=5يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } كَمَا أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِفُضُولِ الْمُبَاحَاتِ هُوَ ضِدُّ الزُّهْدِ الْمَشْرُوعِ فَإِنْ اشْتَغَلَ بِهَا عَنْ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ [ تَرْكِ ] مُحَرَّمٍ كَانَ عَاصِيًا وَإِلَّا كَانَ مَنْقُوصًا عَنْ دَرَجَةِ الْمُقَرَّبِينَ إلَى دَرَجَةِ الْمُقْتَصِدِينَ . وَ ( أَيْضًا فَإِنَّ التَّوَكُّلَ هُوَ مَحْبُوبٌ لِلَّهِ مُرْضٍ لَهُ مَأْمُورٌ بِهِ دَائِمًا وَمَا كَانَ مَحْبُوبًا لِلَّهِ مُرْضِيًا لَهُ مَأْمُورًا بِهِ دَائِمًا لَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْمُقْتَصِدِينَ دُونَ الْمُقَرَّبِينَ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ عَنْ قَوْلِهِمْ : الْمُتَوَكِّلُ يَطْلُبُ حُظُوظَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ الْأُمُورَ قَدْ فُرِغَ مِنْهَا فَهَذَا نَظِيرُ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي الدُّعَاءِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إنْ كَانَ مُقَدَّرًا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
[ ص: 22 ] مُقَدَّرًا لَمْ يَنْفَعْ الدُّعَاءُ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ شَرْعًا وَعَقْلًا . وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : التَّوَكُّلُ وَالدُّعَاءُ لَا يُجْلَبُ بِهِ مَنْفَعَةٌ وَلَا يُدْفَعُ بِهِ مَضَرَّةٌ وَإِنَّمَا هُوَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ . وَإِنَّ حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ بِمَنْزِلَةِ حَقِيقَةِ التَّفْوِيضِ الْمَحْضِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فَهُوَ غَلَطٌ أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا هُوَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ . فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَمَا أَشْبَهَهَا يَجْمَعُهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ : وَهُوَ أَنَّ هَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ كَوْنَ الْأُمُورِ مُقَدَّرَةً مَقْضِيَّةً يَمْنَعُ أَنْ تَتَوَقَّفَ عَلَى أَسْبَابٍ مُقَدَّرَةٍ - أَيْضًا - تَكُونُ مِنْ الْعَبْدِ ; وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُقَدِّرُ الْأُمُورَ وَيَقْضِيهَا بِالْأَسْبَابِ الَّتِي جَعَلَهَا مُعَلَّقَةً بِهَا مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرِ أَفْعَالِهِمْ وَلِهَذَا كَانَ طَرْدُ قَوْلِهِمْ يُوجِبُ تَعْطِيلَ الْأَعْمَالِ بِالْكُلِّيَّةِ .
وَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَرَّاتٍ فَأَجَابَ عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596704قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالُوا : فَفِيمَ الْعَمَلُ ؟ قَالَ : كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596705 nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِالْمِخْصَرَةِ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ : مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنْ النَّارِ أَوْ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً قَالَ : [ ص: 23 ] فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ ؟ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ لَيَكُونَنَّ إلَى السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ لَيَكُونَنَّ إلَى الشَّقَاوَةِ قَالَ : اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ .
أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فييسرون لِلسَّعَادَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فييسرون لِلشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { nindex.php?page=tafseer&surano=6155&ayano=92فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6156&ayano=92وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6157&ayano=92فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6158&ayano=92وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6159&ayano=92وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى } { nindex.php?page=tafseer&surano=6160&ayano=92فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } } أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ . وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596706أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا وَرُقًى نسترقي بِهَا وَتُقًى نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا ؟ فَقَالَ : هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ } .
وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَقَدُّمَ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ بِالسَّعِيدِ وَالشَّقِيِّ لَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ سَعَادَةُ هَذَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَشَقَاوَةُ هَذَا بِالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ ; فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يَكْتُبُهَا ; فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ السَّعِيدَ يَسْعَدُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالشَّقِيَّ يَشْقَى بِالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ فَمَنْ كَانَ سَعِيدًا يُيَسَّرُ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَقْتَضِي السَّعَادَةَ ; وَمَنْ كَانَ شَقِيًّا يُيَسَّرُ لِلْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ
[ ص: 24 ] الَّتِي تَقْتَضِي الشَّقَاوَةَ ; وَكِلَاهُمَا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَهُوَ مَا يَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ الْعَامَّةِ الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1602&ayano=11وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1603&ayano=11إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } .
وَأَمَّا مَا خُلِقُوا لَهُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ وَهُوَ إرَادَتُهُ الدِّينِيَّةُ الَّتِي أُمِرُوا بِمُوجِبِهَا فَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ : مِنْ " الْكَلِمَاتِ " وَ " الْأَمْرُ " وَ " الْإِرَادَةُ " وَ " الْإِذْنُ " وَ " الْكِتَابُ " وَ " الْحُكْمُ " وَ " الْقَضَاءُ " وَ " التَّحْرِيمُ " وَنَحْوُ ذَلِكَ مَا هُوَ دِينِيٌّ مُوَافِقٌ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ وَأَمْرِهِ الشَّرْعِيِّ وَمَا هُوَ كَوْنِيٌّ مُوَافِقٌ لِمَشِيئَتِهِ الْكَوْنِيَّةِ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي " الْأَمْرِ الدِّينِيِّ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2007&ayano=16إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=555&ayano=4إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَقَالَ فِي " الْكَوْنِيِّ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3823&ayano=36إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2062&ayano=17وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ } عَلَى إحْدَى الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ . وَقَالَ فِي " الْإِرَادَةِ الدِّينِيَّةِ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=194&ayano=2يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }
[ ص: 25 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=523&ayano=4يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } وَقَالَ فِي " الْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=262&ayano=2وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=920&ayano=6فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } وَقَالَ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1518&ayano=11وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3823&ayano=36إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } .
وَقَالَ تَعَالَى فِي " الْإِذْنِ الدِّينِيِّ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5190&ayano=59مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } وَقَالَ تَعَالَى فِي " الْكَوْنِيِّ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=2وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } .
وَقَالَ تَعَالَى فِي " الْقَضَاءِ الدِّينِيِّ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2069&ayano=17وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ } أَيْ أَمَرَ . وَقَالَ تَعَالَى فِي " الْكَوْنِيِّ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4271&ayano=41فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } . وَقَالَ تَعَالَى فِي " الْحُكْمِ الدِّينِيِّ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=675&ayano=5أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5220&ayano=60ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى فِي " الْكَوْنِيِّ " عَنْ
ابْنِ يَعْقُوبَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1688&ayano=12فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ }
[ ص: 26 ] وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2616&ayano=21قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } .
وَقَالَ تَعَالَى فِي " التَّحْرِيمِ الدِّينِيِّ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=677&ayano=5حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=520&ayano=4حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } الْآيَةَ . وَقَالَ تَعَالَى فِي " التَّحْرِيمِ الْكَوْنِيِّ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=700&ayano=5فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5469&ayano=70وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=5470&ayano=51لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } وَقَالَ تَعَالَى فِي " الْكَلِمَاتِ الدِّينِيَّةِ " {
nindex.php?page=tafseer&surano=133&ayano=2وَإِذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } وَقَالَ تَعَالَى فِي " الْكَوْنِيَّةِ " : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1098&ayano=7وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا } وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَفِيضُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ إنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي اسْتِعَاذَتِهِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1280أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ } وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْكَوْنِيُّ الَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَتَكْوِينِهِ .
وَأَمَّا الْكَلِمَاتُ الدِّينِيَّةُ فَقَدْ خَالَفَهَا الْفُجَّارُ بِمَعْصِيَتِهِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ أَنَّ الْعَوَاقِبَ الَّتِي خَلَقَ لَهَا النَّاسَ مِنْ سَعَادَةٍ وَشَقَاوَةٍ ييسرون لَهَا بِالْأَعْمَالِ الَّتِي يَصِيرُونَ بِهَا إلَى ذَلِكَ كَمَا أَنَّ سَائِرَ الْمَخْلُوقَاتِ كَذَلِكَ ; فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ الْوَلَدَ وَسَائِرَ الْحَيَوَانِ فِي الْأَرْحَامِ بِمَا يُقَدِّرُهُ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَبَوَيْنِ عَلَى النِّكَاحِ وَاجْتِمَاعِ الْمَاءَيْنِ فِي الرَّحِمِ فَلَوْ قَالَ الْإِنْسَانُ أَنَا أَتَوَكَّلُ وَلَا أَطَأُ زَوْجَتِي فَإِنْ كَانَ قَدْ
[ ص: 27 ] قُضِيَ لِي بِوَلَدِ وُجِدَ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ وَلَا حَاجَةَ إلَى وَطْءٍ كَانَ أَحْمَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ وَعَزَلَ الْمَاءَ فَإِنَّ عَزْلَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْوَلَدِ إذَا شَاءَ اللَّهُ إذْ قَدْ يَسْبِقُ الْمَاءُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ .
وَمِنْ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الخدري . قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=154خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَسَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ مَا هُوَ خَالِقٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
جَابِرٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=4958أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمَتُنَا وَسَانِيَتُنَا فِي النَّخْلِ وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ فَقَالَ اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا } . وَهَذَا مَعَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى مَا قَدْ فَعَلَهُ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ أَبَوَيْنِ كَمَا خَلَقَ
آدَمَ وَمَنْ خَلَقَهُ مِنْ أَبٍ فَقَطْ كَمَا خَلَقَ
حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ
آدَمَ الْقَصِيرِ وَمَنْ خَلَقَهُ مِنْ أُمٍّ فَقَطْ كَمَا خَلَقَ
الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَكِنْ خَلَقَ ذَلِكَ بِأَسْبَابِ أُخْرَى غَيْرِ مُعْتَادَةٍ .
وَهَذَا الْمَوْضِعُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَجْحَدُهُ الزَّنَادِقَةُ الْمُعَطِّلُونَ لِلشَّرَائِعِ فَقَدْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ دِقِّهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ الْمُعَظَّمِينَ يَسْتَرْسِلُ أَحَدُهُمْ مَعَ الْقَدَرِ
[ ص: 28 ] غَيْرَ مُحَقِّقٍ لِمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّفْوِيضِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْجَرْيِ مَعَ الْحَقِيقَةِ الْقَدَرِيَّةِ وَيَحْسَبُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28790قَوْلَ الْقَائِلِ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ مَعَ اللَّهِ كَالْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْ الْغَاسِلِ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ حَتَّى يَتْرُكَ مَا أُمِرَ بِهِ وَيَفْعَلُ مَا نُهِيَ عَنْهُ وَحَتَّى يَضْعُفَ عِنْدَهُ النُّورُ وَالْفُرْقَانُ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَأَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ وَبَيْنَ مَا نَهَى عَنْهُ وَأَبْغَضَهُ وَسَخِطَهُ فَيُسَوِّي بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4539&ayano=45أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5374&ayano=68أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5375&ayano=37مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4036&ayano=38أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4106&ayano=39قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3714&ayano=35وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=3715&ayano=35وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=3716&ayano=35وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=3717&ayano=35وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ . حَتَّى يُفْضِيَ الْأَمْرُ بِغُلَاتِهِمْ إلَى عَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْمَأْمُورِ النَّبَوِيِّ الْإِلَهِيِّ الْفُرْقَانِيِّ الشَّرْعِيِّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَبَيْنَ مَا يَكُونُ فِي الْوُجُودِ مِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى أَيْدِي الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ فَيَشْهَدُونَ وَجْهَ الْجَمْعِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْجَمِيعِ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ الْعَامَّةِ
[ ص: 29 ] وَأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مُلْكِهِ وَلَا يَشْهَدُونَ وَجْهَ الْفَرْقِ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ وَالْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَأَهْلِ الطَّاعَةِ الَّذِينَ أَطَاعُوا أَمْرَهُ الدِّينِيَّ وَأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ الَّذِينَ عَصَوْا هَذَا الْأَمْرَ وَيَسْتَشْهِدُونَ فِي ذَلِكَ بِكَلِمَاتِ مُجْمَلَةٍ نُقِلَتْ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ أَوْ بِبَعْضِ غَلَطَاتِ بَعْضِهِمْ .
وَهَذَا " أَصْلٌ عَظِيمٌ " مِنْ أَعْظَمِ مَا يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ عَلَى أَهْلِ طَرِيقِ اللَّهِ السَّالِكِينَ سَبِيلَ الْإِرَادَةِ : إرَادَةِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ; فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ بِسَبَبِ إهْمَالِ ذَلِكَ عَلَى طَوَائِفَ مِنْهُمْ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ حَتَّى يَصِيرُوا مُعَاوِنِينَ عَلَى الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ لِلْمُسَلَّطِينَ فِي الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْعُلُوِّ كَاَلَّذِينَ يَتَوَجَّهُونَ بِقُلُوبِهِمْ فِي مُعَاوَنَةِ مَنْ يَهْوُونَهُ مِنْ أَهْلِ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ ظَانِّينَ أَنَّهُمْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ أَحْوَالٌ أُثِرُوا بِهَا فِي ذَلِكَ كَانُوا بِذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ - فَإِنَّ الْقُلُوبَ لَهَا مِنْ التَّأْثِيرِ أَعْظَمُ مِمَّا لِلْأَبْدَانِ ; لَكِنْ إنْ كَانَتْ صَالِحَةً كَانَ تَأْثِيرُهَا صَالِحًا وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً كَانَ تَأْثِيرُهَا فَاسِدًا فَالْأَحْوَالُ يَكُونُ تَأْثِيرُهَا مَحْبُوبًا لِلَّهِ تَارَةً وَمَكْرُوهًا لِلَّهِ أُخْرَى وَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى مَنْ يَقْتُلُ غَيْرَهُ فِي الْبَاطِنِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَوَدُ فِي ذَلِكَ - وَيَسْتَشْهِدُونَ بِبَوَاطِنِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ الْأَمْرَ الْكَوْنِيَّ وَيُعِدُّونَ مُجَرَّدَ خَرْقِ الْعَادَةِ لِأَحَدِهِمْ بِكَشْفِ يُكْشَفُ لَهُ أَوْ بِتَأْثِيرِ يُوَافِقُ إرَادَتَهُ هُوَ كَرَامَةٌ مِنْ اللَّهِ لَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إهَانَةٌ وَأَنَّ الْكَرَامَةَ لُزُومُ الِاسْتِقَامَةِ وَأَنَّ
[ ص: 30 ] اللَّهَ لَمْ يُكْرِمْ عَبْدَهُ بِكَرَامَةِ أَعْظَمَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَهُوَ طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ وَمُوَالَاةُ أَوْلِيَائِهِ وَمُعَادَاةُ أَعْدَائِهِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1436&ayano=10أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }
فَإِنْ كَانُوا مُوَافِقِينَ لَهُ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ فَهُمْ مِنْ الْمُقْتَصِدِينَ وَإِنْ كَانُوا مُوَافِقِينَ فِيمَا أَوْجَبَهُ وَأَحَبَّهُ فَهُمْ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاجِبٍ مَحْبُوبٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَحْبُوبٍ وَاجِبًا وَأَمَّا مَا يَبْتَلِي اللَّهُ بِهِ عَبْدَهُ مِنْ السَّرَّاءِ بِخَرْقِ الْعَادَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا أَوْ بِالضَّرَّاءِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ كَرَامَةِ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا هَوَانِهِ عَلَيْهِ بَلْ قَدْ يَسْعَدُ بِهَا قَوْمٌ إذَا أَطَاعُوهُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَشْقَى بِهَا قَوْمٌ إذَا عَصَوْهُ فِي ذَلِكَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6097&ayano=89فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=6098&ayano=89وَأَمَّا إذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي كَلَّا } وَلِهَذَا كَانَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ " : ( قِسْمٌ تَرْتَفِعُ دَرَجَاتُهُمْ بِخَرْقِ الْعَادَةِ إذَا اسْتَعْمَلُوهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ . وَقَوْمٌ يَتَعَرَّضُونَ بِهَا لِعَذَابِ اللَّهِ إذَا اسْتَعْمَلُوهَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ
كبلعام وَغَيْرِهِ . وَقَوْمٌ تَكُونُ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاحَاتِ .
[ ص: 31 ] وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا الْمُتَّبِعُونَ لِنَبِيِّهِمْ سَيِّدِ وَلَدِ
آدَمَ الَّذِي إنَّمَا كَانَتْ خَوَارِقُهُ لِحُجَّةِ يُقِيمُ بِهَا دِينَ اللَّهِ أَوْ لِحَاجَةِ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ . وَلِكَثْرَةِ الْغَلَطِ فِي هَذَا الْأَصْلِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ الْقَدَرِ بِدُونِ الْحِرْصِ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ الَّذِي يَنْفَعُ الْعَبْدَ فَرَوَى
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596707قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ . احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزَنَّ وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْت كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ } .
وَفِي سُنَنِ
أَبِي داود : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596708أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ : حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْك بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَك أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنَ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ وَأَنْ يَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } فَإِنَّ الْحِرْصَ عَلَى مَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَعِبَادَتُهُ إذْ النَّافِعُ لَهُ هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَلَا شَيْءَ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَكُلُّ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ فَهُوَ طَاعَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
لِسَعْدِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12358إنَّك لَنْ [ ص: 32 ] تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا ازْدَدْت بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً حَتَّى اللُّقْمَةَ تَضَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِك } فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكَيْسِ وَهُوَ التَّفْرِيطُ فِيمَا يُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَافِي الْقُدْرَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ . وَإِنْ كَانَ لَا يُنَافِي الْقُدْرَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ . فَإِنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي تُوجِبُ الْفِعْلَ تَكُونُ مُقَارِنَةً لَهُ وَلَا تَصْلُحُ إلَّا لِمَقْدُورِهَا كَمَا ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1504&ayano=11مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ } وَفِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2259&ayano=18وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا }
وَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَتِلْكَ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهَا الْفِعْلُ وَقَدْ لَا يَقْتَرِنُ . كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=393&ayano=3وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=105761وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ } . فَهَذَا الْمَوْضِعُ قد انقسم النَّاسُ فِيهِ إلَى " أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ " :
nindex.php?page=treesubj&link=28663قَوْمٌ يَنْظُرُونَ إلَى جَانِبِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ شَاهِدِينَ لِإِلَهِيَّةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يَنْظُرُونَ إلَى جَانِبِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَالتَّوَكُّلِ وَالِاسْتِعَانَةِ وَهُوَ حَالُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَعَبِّدَةِ ; فَهُمْ مَعَ حُسْنِ قَصْدِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ لِحُرُمَاتِ اللَّهِ وَلِشَعَائِرِهِ يَغْلِبُ عَلَيْهِمْ الضَّعْفُ وَالْعَجْزُ وَالْخِذْلَانُ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28680_19648_19734الِاسْتِعَانَةَ بِاَللَّهِ وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ واللجأ إلَيْهِ وَالدُّعَاءَ لَهُ هِيَ الَّتِي تُقَوِّي الْعَبْدَ وَتُيَسِّرُ عَلَيْهِ الْأُمُورَ .
[ ص: 33 ] وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ
السَّلَفِ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596709أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِفَتُهُ فِي التَّوْرَاةِ إنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُك الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظِّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ وَيَعْفُو وَيَغْفِرُ وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ فَأَفْتَحُ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا بِأَنْ يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ إنَّمَا أَطَاقُوا حَمْلَ الْعَرْشِ بِقَوْلِهِمْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=97847أَنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ } قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5285&ayano=65وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=469&ayano=3الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } إلَى قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=471&ayano=3فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وَفِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=469&ayano=3وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } قَالَهَا
إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ : إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ .
وَ ( قِسْمٌ ثَانٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=28658_29613يَشْهَدُونَ رُبُوبِيَّةَ الْحَقِّ وَافْتِقَارَهُمْ إلَيْهِ وَيَسْتَعِينُونَ بِهِ لَكِنْ عَلَى أَهْوَائِهِمْ وَأَذْوَاقِهِمْ غَيْرَ نَاظِرِينَ إلَى حَقِيقَةِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَهَذَا حَالُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَفَقِّرَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ وَلِهَذَا كَثِيرًا
[ ص: 34 ] مَا يَعْمَلُونَ عَلَى الْأَحْوَالِ الَّتِي يَتَصَرَّفُونَ بِهَا فِي الْوُجُودِ وَلَا يَقْصِدُونَ مَا يُرْضِي الرَّبَّ وَيُحِبُّهُ وَكَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فَيَظُنُّونَ أَنَّ مَعْصِيَتَهُ هِيَ مَرْضَاتُهُ فَيَعُودُونَ إلَى تَعْطِيلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَيُسَمُّونَ هَذَا حَقِيقَةً وَيَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الْقَدَرِيَّةَ يَجِبُ الِاسْتِرْسَالُ مَعَهَا دُونَ مُرَاعَاةِ الْحَقِيقَةِ الْأَمْرِيَّةِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي هِيَ تَحْوِي مَرْضَاةَ الرَّبِّ وَمَحَبَّتَهُ وَأَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا . وَهَؤُلَاءِ كَثِيرًا مَا يَسْلُبُونَ أَحْوَالَهُمْ وَقَدْ يَعُودُونَ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفُسُوقِ بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلتَّقْوَى وَمَنْ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ فَلَيْسَ مِنْ الْمُتَّقِينَ فَهُمْ يَقَعُونَ فِي بَعْضِ مَا وَقَعَ الْمُشْرِكُونَ فِيهِ تَارَةً فِي بِدْعَةٍ يَظُنُّونَهَا شِرْعَةً وَتَارَةً فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ عَلَى الْأَمْرِ ; وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ مَا ذَمَّ بِهِ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ ذَكَرَ مَا ابْتَدَعُوهُ مِنْ الدِّينِ وَجَعَلُوهُ شِرْعَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=989&ayano=7وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ } وَقَدْ ذَمَّهُمْ عَلَى أَنْ حَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ وَأَنْ شَرَّعُوا مَا لَمْ يُشَرِّعْهُ اللَّهُ وَذَكَرَ احْتِجَاجَهُمْ بِالْقَدَرِ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1952&ayano=16وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ } وَنَظِيرُهَا فِي النَّحْلِ وَيس وَالزُّخْرُفِ وَهَؤُلَاءِ يَكُونُ فِيهِمْ شَبَهٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا .
وَأَمَّا ( الْقِسْمُ الثَّالِثُ : وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28680مَنْ أَعْرَضَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَاسْتِعَانَتِهِ بِهِ فَهَؤُلَاءِ شَرُّ الْأَقْسَامِ .
[ ص: 35 ] وَ ( الْقِسْمُ الرَّابِعُ : هُوَ الْقِسْمُ الْمَحْمُودُ وَهُوَ حَالُ الَّذِينَ حَقَّقُوا {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } فَاسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى طَاعَتِهِ وَشَهِدُوا أَنَّهُ إلَهُهُمْ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْبَدَ إلَّا إيَّاهُ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَأَنَّهُ رَبُّهُمْ الَّذِي {
nindex.php?page=tafseer&surano=846&ayano=6لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ } وَأَنَّهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3697&ayano=35مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1481&ayano=10وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=4135&ayano=39قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=19651_19653الِالْتِفَاتُ إلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ nindex.php?page=treesubj&link=19652وَمَحْوُ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ
nindex.php?page=treesubj&link=19652وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=19647التَّوَكُّلُ الْمَأْمُورُ بِهِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مُقْتَضَى التَّوْحِيدِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ .
فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ ظَنَّ التَّوَكُّلَ مِنْ مَقَامَاتِ عَامَّةِ أَهْلِ الطَّرِيقِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا شَدِيدًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْيَانِ الْمَشَايِخِ - كَصَاحِبِ " عِلَلِ الْمَقَامَاتِ " وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ الْمَشَايِخِ وَأَخَذَ ذَلِكَ عَنْهُ صَاحِبُ " مَحَاسِنِ الْمَجَالِسِ " - وَظَهَرَ ضَعْفُ حُجَّةِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لِظَنِّهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهِ حَظُّ الْعَامَّةِ فَقَطْ وَظَنِّهِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَهَذِهِ حَالُ مَنْ جَعَلَ الدُّعَاءَ كَذَلِكَ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَعَلَ الْأَعْمَالَ الْمَأْمُورَ بِهَا كَذَلِكَ كَمَنْ اشْتَغَلَ بِالتَّوَكُّلِ عَنْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ
[ ص: 36 ] الْأَسْبَابِ الَّتِي هِيَ عِبَادَةٌ وَطَاعَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا ; فَإِنْ غَلِطَ هَذَا فِي تَرْكِ الْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا الَّتِي هِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } كَغَلَطِ الْأَوَّلِ فِي تَرْكِ التَّوَكُّلِ الْمَأْمُورِ بِهِ الَّذِي هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } لَكِنْ يُقَالُ : مَنْ كَانَ تَوَكُّلُهُ عَلَى اللَّهِ وَدُعَاؤُهُ لَهُ هُوَ فِي حُصُولِ مُبَاحَاتٍ فَهُوَ مِنْ الْعَامَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي حُصُولِ مُسْتَحَبَّاتٍ وَوَاجِبَاتٍ فَهُوَ مِنْ الْخَاصَّةِ كَمَا أَنَّ مَنْ دَعَاهُ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ فِي حُصُولِ مُحَرَّمَاتٍ فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=19647وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ التَّوَكُّلِ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بَلْ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْمَقَامُ لِلْخَاصَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1458&ayano=10وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ }
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=456&ayano=3إنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=456&ayano=3وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4135&ayano=39قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ } إلَى قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4135&ayano=39قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ ( حَسْبِي اللَّهُ فِي جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ تَارَةً وَفِي دَفْعِ الْمَضَرَّةِ أُخْرَى .
( فَالْأُولَى فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } الْآيَةَ . وَ ( الثَّانِيَةُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=469&ayano=3الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } وَفِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1230&ayano=8وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِالرِّضَا وَالتَّوَكُّلِ . وَالرِّضَا وَالتَّوَكُّلُ يَكْتَنِفَانِ الْمَقْدُورَ فَالتَّوَكُّلُ قَبْلَ وُقُوعِهِ . وَالرِّضَا بَعْدَ وُقُوعِهِ ; وَلِهَذَا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596710كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ بِعِلْمِك الْغَيْبَ وَبِقُدْرَتِك عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَشْيَتَك فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَأَسْأَلُك كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَأَسْأَلُك الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَأَسْأَلُك نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَأَسْأَلُك قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَأَسْأَلُك بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ; وَأَسْأَلُك لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِك ; وَأَسْأَلُك الشَّوْقَ إلَى لِقَائِك مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زينا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ } رَوَاهُ
أَحْمَد والنسائي مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ .
وَأَمَّا مَا يَكُونُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَهُوَ عَزْمٌ عَلَى الرِّضَا لَا حَقِيقَةُ الرِّضَا ; وَلِهَذَا كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ يَعْزِمُونَ عَلَى الرِّضَا قَبْلَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ ; فَإِذَا وَقَعَ انْفَسَخَتْ عَزَائِمُهُمْ كَمَا يَقَعُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الصَّبْرِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=439&ayano=3وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5226&ayano=61يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=5227&ayano=61كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=5228&ayano=61إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَمَّا قَالُوا لَوْ عَلِمْنَا أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى آيَةَ الْجِهَادِ فَكَرِهَهُ مَنْ كَرِهَهُ . وَلِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=29471كُرِهَ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْبَلَاءِ بِأَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَا يُوجِبُهُ الشَّارِعُ عَلَيْهِ بِالْعَهْدِ وَالنَّذْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ يَطْلُبُ وِلَايَةً أَوْ يُقْدِمُ عَلَى بَلَدٍ فِيهِ طَاعُونٌ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596711أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ ; وَقَالَ : إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرِ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ } وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=77لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30242لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا ; وَإِذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك } وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596712قَالَ فِي الطَّاعُونِ : إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضِ فَلَا تُقْدِمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضِ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ } .
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30012لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَلَكِنْ إذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْعَى فِيمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ فَيَبْخَلُ بِالْوَفَاءِ ; وَكَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُعَاهِدُ اللَّهَ عُهُودًا عَلَى أُمُورٍ وَغَالِبُ هَؤُلَاءِ يُبْتَلَوْنَ بِنَقْضِ الْعُهُودِ . وَيَقْتَضِي أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اُبْتُلِيَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ وَيَثْبُتَ وَلَا يَتَّكِلَ حَتَّى يَكُونَ مِنْ الرِّجَالِ الْمُوقِنِينَ الْقَائِمِينَ بِالْوَاجِبَاتِ . وَلَا بُدَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مِنْ
[ ص: 39 ] الصَّبْرِ ; وَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ وَاجِبًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورَاتِ . وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=19585الصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ عَنْ أَنْ يَجْزَعَ فِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=19590وَالصَّبْرُ عَنْ اتِّبَاعِ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ فِيمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ الصَّبْرَ فِي كِتَابِهِ فِي أَكْثَرَ مِنْ تِسْعِينَ مَوْضِعًا وَقَرَنَهُ بِالصَّلَاةِ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=162&ayano=2اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1598&ayano=11وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ } إلَى قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1599&ayano=11وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=2498&ayano=20فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } الْآيَةَ وَجَعَلَ " الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ " مَوْرُوثَةً عَنْ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3559&ayano=32وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } فَإِنَّ الدِّينَ كُلَّهُ عِلْمٌ بِالْحَقِّ وَعَمَلٌ بِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الصَّبْرِ بَلْ وَطَلَبُ عِلْمِهِ يَحْتَاجُ إلَى الصَّبْرِ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ طَلَبَهُ لِلَّهِ عِبَادَةٌ وَمَعْرِفَتَهُ خَشْيَةٌ وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ ; وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ . بِهِ يُعْرَفُ اللَّهُ وَيُعْبَدُ وَبِهِ يُمَجَّدُ اللَّهُ وَيُوَحَّدُ يَرْفَعُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ أَقْوَامًا يَجْعَلُهُمْ لِلنَّاسِ قَادَةً وَأَئِمَّةً يَهْتَدُونَ بِهِمْ وَيَنْتَهُونَ إلَى رَأْيِهِمْ . فَجَعَلَ الْبَحْثَ عَنْ الْعِلْمِ مِنْ الْجِهَادِ وَلَا بُدَّ فِي الْجِهَادِ مِنْ الصَّبْرِ ; وَلِهَذَا
[ ص: 40 ] قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6280&ayano=103وَالْعَصْرِ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=6281&ayano=103إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=6282&ayano=103إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4053&ayano=38وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ } فَالْعِلْمُ النَّافِعُ هُوَ أَصْلُ الْهُدَى وَالْعَمَلُ بِالْحَقِّ هُوَ الرَّشَادُ وَضِدُّ الْأَوَّلِ الضَّلَالُ وَضِدُّ الثَّانِي الْغَيُّ فَالضَّلَالُ الْعَمَلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالْغَيُّ اتِّبَاعُ الْهَوَى . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4838&ayano=53وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=4839&ayano=53مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } فَلَا يُنَالُ الْهُدَى إلَّا بِالْعِلْمِ وَلَا يُنَالُ الرَّشَادُ إلَّا بِالصَّبْرِ ; وَلِهَذَا قَالَ
عَلِيٌّ : أَلَا إنَّ الصَّبْرَ مِنْ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ - فَإِذَا انْقَطَعَ الرَّأْسُ بَانَ الْجَسَدُ - ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ أَلَا لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ