قوله تعالى: تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون (16) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون (17)
- رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار . معاذ
[ ص: 84 ] قال: "لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت " .
ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير; الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، ثم تلا: تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ: يعملون " .
ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ " .
قلت: بلى يا رسول الله .
قال: " رأس الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد " .
ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ " .
قلت: بلى يا رسول الله .
فأخذ بلسانه، قال: "كف عليك هذا" .
قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ .
فقال: "ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، - أو على
مناخرهم - ، إلا حصائد ألسنتهم " . عن
رواه وقال: حديث حسن صحيح . الترمذي
هذا الحديث، خرجه: ، الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، من رواية وابن ماجه ، عن معمر ، عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل، ، وقال معاذ بن جبل : "حسن صحيح" . الترمذي
[ ص: 85 ] وفيما قاله - رحمه الله - نظر من وجهين:
أحدهما: أنه لم يثبت سماع من أبي وائل ، وإن كان قد أدركه بالسن، وكان معاذ معاذ بالشام، وأبو وائل بالكوفة، وما زال الأئمة - كأحمد وغيره - يستدلون على انتفاء السماع بمثل هذا، وقد قال في سماع أبو حاتم الرازي من أبي وائل : قد أدركه، وكان أبي الدرداء بالكوفة، وأبو الدرداء بالشام - يعني: أنه لم يصح له سماع منه . وقد حكى عن قوم أنهم توقفوا في سماع أبو زرعة الدمشقي من أبي وائل ، أو نفوه، فسماعه من عمر أبعد . معاذ
والثاني: أنه قد رواه عن حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود شهر ابن حوشب عن ، خرجه معاذ مختصرا، قال الإمام أحمد : وهو أشبه بالصواب; لأن الحديث معروف من رواية الدارقطني على اختلاف عليه . شهر
قلت: ورواية عن شهر مرسلة يقينا، معاذ وشهر مختلف في توثيقه وتضعيفه . وقد خرجه من رواية الإمام أحمد عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم . وخرجه معاذ - أيضا - من رواية الإمام أحمد عروة بن النزال - أو النزال ابن عروة -، وميمون بن أبي شبيب، كلاهما: عن . ولم يسمع معاذ ولا عروة ميمون من . وله طرق أخرى عن معاذ كلها ضعيفة . معاذ
وقوله: "ثم تلا: تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون (17)، يعني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هاتين الآيتين عند ذكره فضل صلاة الليل، ليبين بذلك فضل صلاة الليل .
[ ص: 86 ] وقد روي عن أن هذه الآية نزلت في أنس خرجه انتظار صلاة العشاء . وصححه، وروي عنه أنه قال في هذه الآية: كانوا يتنفلون بين المغرب والعشاء . خرجه الترمذي . وروي نحوه عن أبو داود بلال ، خرجه بإسناد ضعيف . البزار
وكل هذا يدخل في عموم لفظ الآية، فإن الله مدح الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع لدعائه، فيشمل ذلك كل من ترك النوم بالليل لذكر الله ودعائه، فيدخل فيه من صلى بين العشاءين، ومن انتظر صلاة العشاء فلم ينم حتى يصليها، لاسيما مع حاجته إلى النوم ومجاهدة نفسه على تركه لأداء الفريضة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن انتظر صلاة العشاء: "إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة" .
ويدخل فيه من نام ثم قام من نومه بالليل للتهجد، وهو مطلقا . أفضل أنواع التطوع بالصلاة
وربما دخل فيه من ترك النوم عند طلوع الفجر، وقام إلى أداء صلاة الصبح، لاسيما مع غلبة النوم عليه، ولهذا يشرع للمؤذن في أذان الفجر أن يقول في أذانه: الصلاة خير من النوم .
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ذكر "وصلاة الرجل من جوف الليل " وخرج أفضل أوقات التهجد بالليل، وهو جوف الليل، النسائي من حديث والترمذي ، [ ص: 87 ] قال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: " جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات " . أبي أمامة
وخرجه ، ولفظه: ابن أبي الدنيا جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: أي الصلاة أفضل؟ قال: "جوف الليل الأوسط "، قال: أي الدعاء أسمع؟ قال: "دبر المكتوبات " .
وخرج من حديث النسائي قال: أبي ذر
سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الليل خير؟ قال: "خير الليل: جوفه " .
وخرج من حديث الإمام أحمد أبي مسلم قال: قلت لأبي ذر : أي قيام الليل أفضل؟ قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني، فقال: "جوف الليل الغابر أو نصف الليل، وقليل فاعله " .
وخرجه ، البزار من حديث والطبراني ، قال: ابن عمر زاد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الليل أجوب دعوة؟ قال: "جوف الليل، " في روايته: "الآخر" . البزار
وخرج من حديث الترمذي سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: عمرو بن عبسة وصححه . "أقرب ما يكون الرب من العبد: في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " .
وخرجه ، ولفظه: قال: الإمام أحمد وفي رواية له - أيضا -: قال: قلت: يا رسول الله، أي الساعات [ ص: 88 ] أفضل؟ قال: "جوف الليل الآخر" وفي رواية له: "جوف الليل الآخر أجوبه دعوة" . وخرجه قلت: يا رسول الله، هل من ساعة أقرب إلى الله من أخرى؟ قال: "جوف الليل الآخر" . ، وعنده: ابن ماجه وفي رواية للإمام "جوف الليل الأوسط "، أحمد ، قال: قلت: يا رسول الله، هل من ساعة أفضل من ساعة؟ قال: "إن الله ليتدلى في جوف الليل، فيغفر، إلا ما كان من الشرك " . عمرو بن عبسة عن
وقد قيل: إن جوف الليل إذا أطلق فالمراد به: وسطه، وإن قيل: جوف الليل الآخر، فالمراد وسط النصف الثاني، وهو السدس الخامس من أسداس الليل، وهو الوقت الذي ورد فيه النزول الإلهي .
* * *
وروى عطية، عن ، قال: إن الله خلق جنة عدن من ياقوتة حمراء، ثم قال لها: تزيني فتزينت، ثم قال لها: تكلمي، فقالت: طوبى لمن رضيت عنه؛ ثم أطبقها وعلقها بالعرش، فهي تفتح في كل سحر، فذلك برد السحر . أبي سعيد
وعن ، قال: كان عرش الله على الماء، ثم اتخذ لنفسه جنة، ثم اتخذ دونها أخرى، وطبقهما بلؤلؤة واحدة لا يعلم الخلائق ما فيهما وهما اللتان: ابن عباس فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون
وذكر ، عن بعض مشايخه، قال: الجنة مائة درجة: أولها: درجة فضة، وأرضها فضة، ومساكنها فضة، وترابها المسك . صفوان بن عمرو
[ ص: 89 ] والثانية: ذهب، وأرضها ذهب، وآنيتها ذهب، وترابها المسك .
والثالثة: لؤلؤ، وأرضها لؤلؤ، وآنيتها لؤلؤ، وترابها المسك، وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم تلا: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون
وفي "الصحيحين " عن - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: أبي هريرة : اقرءوا إن شئتم: أبو هريرة فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين "يقول الله عر وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" . ثم يقول
وفي "صحيح " عن مسلم - يرفعه: المغيرة بن شعبة موسى ربه، قال: يارب، ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: يا رب، كيف وقد أخذ الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت يا رب، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فقال له في الخامسة: رضيت يا رب، فيقال: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فيقول: رضيت رب . قال: فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر . قال: ومصداقه في كتاب الله: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " . "سأل