وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم .
إن هذه الجملة السامية الحالية تنبئ عن أن هؤلاء قد أركست نفوسهم في الشرك إلى درجة أنهم يتمنون أن يعيشوا فيه، وألا يفكروا في تغيير ما بأنفسهم.
يقول الله تعالى عنهم: يقولون: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر هذا أقصى أحوال الجحود والإنكار، حتى إنه ليتوقع شر ما يتمناه المرء إذا كان ذلك صدقا، فيقول: إن كان هذا هو الحق وحده ولا حق سواه - فخير لنا أن تنزل علينا حجارة من السماء أو تأتنا بعذاب أليم من جنس هذا العذاب، فهو ينكر أولا ويعده شر الأحوال ثانيا، ويصر عن إنكاره - ولو بدت دلائل الحق - ثالثا.
وفي ذلك فوق هذا الجحود الذي لا حد له سخرية وتهكم، وأنه يستحيل في نظره أن يكون حقا، وهنا إشارتان بيانيتان رائعتان:
الأولى - قولهم: إن كان هذا هو الحق من عندك فيها قصر الحق على هذا، وهو التوحيد، والإيمان بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - فالإنكار واقع على قصر الحق، وكأنهم يريدون أن يكون ما هم عليه حقا وهو الباطل الذي لا ريب فيه.
[ ص: 3116 ] الإشارة الثانية - أنهم يقولون في الجواب المترتب على هذا الشرط: فأمطر علينا حجارة من السماء فذكر السماء; لأنه المناسب للإمطار، وليكون أشد; لأنه يكون حجارة تنصب على الرءوس انصبابا كانصباب الماء، ولأنه كما قال : يكون سجيلا، كالحجارة التي نزلت بأصحاب الفيل، التي حمى الله تعالى بها بيته الحرام من الزمخشري أبرهة الذي أراد هدم البيت.
وإن ذلك النص السامي - كما هو أقصى الجحود والتهكم - هو أقصى ما يدل على الحمق والجهل، يروى في هذا أن دخل عليه رجل من سبأ، وقال له: إنكم قوم تجهلون، وليتم عليكم امرأة، فقال الرجل: أنتم أجهل; لأنكم قلتم: معاوية بن أبي سفيان اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ولم تقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا.
والجواب لمثل حق; لأنه هو وأبوه كانا ممن يظن أنهم قالوا ذلك، وإن أسلموا من بعد، وكانوا من المؤلفة قلوبهم، وأخذوا مئات من النوق. معاوية
إنهم يستعجلون العذاب قبل أن ينزل، وقد بين الله تعالى استحالة ذلك على مقتضى السنة التي سنها الله تعالى مع الرسل وأقوامهم، وهي أن الله تعالى لا يعذبهم والرسل بينهم يدعون، ولذا قال عز من قائل: